الانصياع لشرع اللَّه في جميع شؤون الحياة إجابة لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: ٣٦]، وجاء في الحديث أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتلو قول اللَّه تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة: ٣١]. حينما دخل عليه عدي بن حاتم؛ قال عدي:(فقلت: إنهم لم يعبدوهم)، فقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم"(١).
والشاهد من ذلك أن التشريع في الإسلام منبثق من عقيدة التوحيد الخالصة للَّه، ولا يمكن أن يسمح لمن دخل الإسلام من النصارى أو غيرهم من ذوي الثقافات الأخرى أن يشرعوا للمسلمين ولو فرض جدلًا أنهم بلغوا درجة الاجتهاد فإنهم عند ذلك ينطلقون من الكتاب والسنة وإجماع الأمة الإسلامية وما خلَّفه الصحابة والتابعون من ثروة فقهية انبعثت من صميم عقيدة الإسلام وهدي رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، والشريعة الإسلامية وفقهها في كل ذلك متميزة تميزًا جليًا يشهد به الواقع التاريخي، والحقائق المسلم بها.
٣ - أما أهل الذمة فإن الإسلام وفر لهم حرية قضائية خاصة بهم؛ قال تعالى:{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ}[المائدة: ٤٧]، (وكذلك اليهود، وسائر أهل الذمة، ومنه ينتج أن لا تماس بين الحقوق الإسلامية والحقوق الأجنبية فلا يوجد بينهما فعل ورد فعل، ذلك لأن هذا الحكم الذي فرضه القرآن لم يبق قولًا بلا عمل، بل نراه قد طبق بحذافيره في عهد
(١) ابن كثير تفسير القرآن العظيم ٢/ ٣٤٨، (مرجع سابق). والحديث مروي من طرق منها ما رواه الترمذي: بالجامع الصحيح ٥/ ٢٦٠، الحديث رقم: [٣٠٩٥]، تحقيق كمال يوسف الحوت، (مرجع سابق).