للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصار في المدينة، فكان ما أقامه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من التآخي بين أفراد المهاجرين والأنصار ضمانة لتحقيق هذه المسؤولية، ولقد كان من مقتضى هذه المسؤولية أن يكون هذا التآخي أقوى في حقيقته وأثره من حقيقة أخوة الرحم المجردة، فلما استقر أمر المهاجرين في المدينة، وتمكن الإسلام فيها، وغدت الروح الإسلامية هي وحدها العصب الحقيقي الطبيعي للمجتمع الجديد في المدينة، أصبح من المناسب انتزاع القالب الذي كان قد صب فيه نظام العلاقة بين المهاجرين والأنصار إثر التقائهم في المدينة، إذ لا يخشى على هذا النظام بعد اليوم من التفكك والتميع في ظل الأخوة الإسلامية العامة وما يترتب عليها من المسؤوليات المختلفة، ولا ضير حينئذ أن يعود تأثير قرابة الرحم بين المسلمين من حيث كونها مؤثرًا زائدًا على قرابة الإسلام وأخوته) (١)، في إطار عقيدة التوحيد وتحت مظلة الشرع؛ ولأن في ذلك ما (يلبي جانبًا فطريًا في النفس الإنسانية، ولا ضرر من تلبية المشاعر الفطرية في النفس الإنسانية، ما دام أن ليس هناك ما يعارض هذه المشاعر من تكاليف الوجود الإسلامي) (٢).

ثانيًا: بلغت مشاعر الأخوة وتأثيراتها بين المهاجرين والأنصار أعلى درجات الأخوة ومشاعر الوحدة من الإيثار والسماحة والنبل؛ ولذلك شواهد عدة سجلها التاريخ، وامتدحها اللَّه عز وجل في محكم التنزيل، وهي من الكثرة بمكان، تعج بها كتب السنة والسيرة والتاريخ والتراجم، سواء ما كان منها في صفوف الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار، أو من جاء من بعدهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم في فهم عقيدة الإسلام واعتناقها، وطبق


(١) محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة: ص: (١٥٨)، مرجع سابق. وانظر: حسن زكريا فليفل: إنما المؤمنون إخوة: ص: (٤٣، ٤٤)، مرجع سابق.
(٢) سيد قطب: في ظلال القرآن: (٣/ ١٥٦١)، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>