وفي آيات عديدة بين اللَّه لأهل الكتاب أنهم مشمولون بدعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبلغهم بمبعثه، وأنه جاءهم على فترة من الرسل يبشرهم وينذرهم، وتأتي دعوتهم للإيمان به في بعض الأحوال مقترنة بالوعيد الشديد إن لم يقبلوها، كما بين لهم جلَّ وعلا أنها مصدقة لما معهم من الكتاب، وأن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- مأمور بأن يظهر ما أخفوه من الكتاب؛ من ذلك قوله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: ١٥]، وقال تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: ١٩]، وكقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}[النساء: ٤٧].
د- وممَّا جاء في القرآن الكريم وهو يدل على عالميَّة رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ بصفة تضرب في أعماق تاريخ البشريَّة، وتستمر عبر تاريخها المقبل إلى قيام السَّاعة في الآخرة؛ أخذ الميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى أتباعهم أن يؤمنوا بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأن ينصروه وأن يأمر بعضهم بعضًا بذلك، وبين اللَّه أنه أخذ عليهم هذا الميثاق وأقروا به، وأشهدهم عليه، وأكد شهادتهم بشهادته جلَّ وعلا، والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)} [آل عمران: ٨١].