للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربي على وثنيته لظل بحكم موقفه هذا أسير جهله وتأخره، وسجين عالم تضيق آفاقه، ثُمَّ ما تلبث أن تعزله عن العالم وتحصره في قلب الصحراء.

وأمَّا ثانيتهما: فتقوم على أن الدولة (العقيدية) التي أنشئت في قلب المنطقة العربية، وامتد نفوذها السياسي إلى كافة أرجاء الجزيرة، وبدأت تحشد قواها وطاقاتها الجهادية للانتقال صوب الخطوة التالية في التحرك إلى العالم المحيط كله، هذه الدولة كان عليها أن تعتمد (استراتيجية) صارمة، واضحة المعالم من أجل أن تحمي وجودها في شبه الجزيرة العربية، من جيوب الوثنية العربية، ومراكز القوى الجاهليَّة، وأن تحيط مركز انطلاقها إلى العالم بسياج الوحدة العقيدية والسياسية على السواء، لئلا تضرب من الخلف وهي تمارس صراعها مع القوى الخارجيَّة، حاشدة له جل طاقاتها.

وهكذا يجيءُ إعلان (البراءة) نصرًا حضاريًّا واستراتيجيًا لدولة الإسلام، وهي تتهيأ للخطوة التالية في (تحضير) العالم و (جهاد) قياداته (الكافرة) جميعًا من أجل منح حريَّة الاعتقاد للإنسان حيثما كان) (١).

ورُبَّما يصدق هذا الوصف على مظهر الدولة الإسلاميَّة في عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي عهودها الأخرى، حينما يُنْظَرُ إليها من خارج الأحداث، وتفسر بطريقة فلسفية، ولكن من ينعم النظر في طبيعة التشريع الإسلامي؛ في جوانبه العقدية، والسياسيَّة، والأخلاقيَّة، وغيرها؛ يلحظ أنَّ مجرى الأحداث فيه، تختلف عن تلك التفسيرات، التي رُبَّما تستقيم من وجه، ولكنها لا تستقيم من كل وجه؛ ذلك أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أبلغ رسالات ربه، وفعل ما أُمِر به، وبالنظر إلى قضية (البراءة من المشركين)؛ يدرك الناظر أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ أمَّرَ أبا بكر الصديق على الحج في السنة


(١) عماد الدين خليل: دراسات في السيرة: ص ٢٦٦ - ٢٦٨، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>