التاسعة، وبعد أن انطلق إلى حيث أمره، نزل أول سورة (براءة)، فألحق الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- به عليًّا -رضي اللَّه عنهما-، مِمَّا يدل على عدم التخطيط المسبق من قبل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّما نزل الوحي بأمر جديد، وأسرع المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- في تنفيذه، كعادته في إجابة أمر ربه القائل:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧]، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يتلقى أمر ربه فيهتدي به، ويسير في ضوئه منذُ بعثه اللَّه وحتى توفاه إليه، ولعل ما فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- في مبرك ناقته حين نزوله في المدينة، وقوله:"خلوا سبيلها فإنَّها مأمورة"(١) من الشواهد على ذلك؛ صحيح أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبر عن أحداث ستقع ويعلم من الغيب ما علَّمَهُ اللَّه، ولكن لا يعني ذلك أن تفسير أحداث السيرة على نحو يصبغها بالعبقرية والسياسة وأساليب الحنكة والدهاء، وحقيقة تلك الأحداث مرتبط بالنبوة ومقتضياتها.
وما حدث من ردَّة بعض قبائل العرب عقب وفاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وموقف أبي بكر الصديق منها وعدم مهادنته لهم، أو النظر إليها من منطلق الموازنة بين قدرة دولة الإسلام على مواجهتهم، والتغاضي عن بعض ما أوجبه عليهم الإسلام، بل التمسك بالمبدأ، مهما آلت إليه الأوضاع، ومهما
(١) أخرجه ابن سعد بهذا اللفظ في الطبقات ١/ ١٦٠، (مرجع سابق)، ووردت ألفاظ كثيرة ذكرها الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد. .: ٣/ ٣٧٢، ٣٧٣، وعزاها لكتب السنَّة، وأمَّا مبرك الناقة وإقامة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه عليه المسجد النبوي الشريف، فقد ورد عند البخاري من حديث عروة بن الزبير ومنه: (فسار يمشي معه الناس حتى بركت به راحلته عند مسجد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدًا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين بركت به راحلته: "هذا إن شاء اللَّه المنزل"، ثُمَّ دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه أن يقبله منهما هبةً حتى ابتاعه منهما، ثُمَّ بناه مسجدًا) الحديث. صحيح البخاري: ٣/ ١٤٢١، ١٤٢٢ الحديث رقم: (٣٦٩٤)، تحقيق: البُغاء، (مرجع سابق).