للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخر) (١)، ولَمَّا علم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بقصدهم قال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني" (٢).

إنَّ مِمَّا يستفاد من هذا الحديث رسمه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهج الوسطيَّة في العبادة، وأنَّه المنهج الذي يحقق التقوى والخشية للَّه تعالى؛ لأن هذا المنهج ليس خاصًا بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بل هو المشرع والقدوة في هذا لأمته، مِمَّا يعني أن الوسطيَّة هي الخيار، وهي الوسط، وأن ما سواها منحرفٌ عن الجادة ومنهي عنه (٣).


(١) من حديث أخرجه البخاري: صحيح البخاري: ٥/ ١٩٤٩، كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح، الحديث رقم: (٤٧٧٦) تحقيق: البُغا، (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم، صحيح مسلم: ٢/ ١٠٢٠ الحديث رقم (١٤٠١)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (مرجع سابق).
(٢) من الحديث السابق نفسه: لدى البخاري، وانظر: الشاطبي: الموافقات ٢/ ٩٣ - ١٢٨، وانظر: ٣/ ٢٤٠ - ٢٥١، (المرجع نفسه، مرجع سابق).
وقد أورد الشاطبي شواهد عدَّة على وسطيَّة منهج الإسلام في العبادات من خلال فعل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لتأخذ به الأُمَّة، وأنَّه كان يترك بعض العبادات التي تدخل في باب المستحبات لئلا يشق على أمته؛ وفي ذلك قال الشاطبي: (ومسلك آخر وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. . .) إلى أن يقول: (إنَّ الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لَمَّا فهموا هذا الأصل من الشريعة وكانوا أئمة يُقْتَدى بهم فتركوا أشياء، وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة. . . كان أئمة المسلمين استمروا على هذا الأصل على الجملة كان اختلفوا في التفاصيل). المرجع السابق نفسه ٣/ ٢٤٠، ٢٤١.
(٣) انظر: أبا الحسن العامري: الإعلام بمناقب الإسلام: ص ١٣٧ - ١٥٠، (مرجع سابق).
وانظر: ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان؛ تحقيق: محمد عفيفي ١/ ٢٠٥ - ٢١٣، الطبعة الثانية ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م، عن دار الخاني. . .، الرياض حيث قرر بعض جوانب تميُّز الأُمَّة الأسلاميَّة في بعض الشعائر الدينيَّة. ولمزيد الاطلاع؛ انظر: مطلب العبودية، فيما يأتي من البحث ص ٨٩٨ - ٨٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>