أصحاب الديانات الأخرى وفق ضوابط شرعيَّة من شأنها إعلاء كلمة اللَّه، وإرساء قواعد العدل والخير والإحسان، وممن تحدث عن هذا الجانب المؤرخ (ول ديورانت) إذ قال: (كان أهل الذِّمَّة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأمويَّة بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم. . . وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم)(١).
ويقول -أيضًا-: (وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطَّة، اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين، وجميع الزردشتيين والوثنيين إلَّا عددًا قليلًا جدًا منهم، وكثيرون من اليهود. . . . وحيث عجزت (الهلينية) عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، في هذه الأقاليم كلها انتشرت فيها العقائد والعبادات الإسلاميَّة، وآمن السكان بالدين الجديد، وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله؛ إخلاصًا واستمساكًا أنسياهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدَّة من الصين وإلى مراكش والأندلس، وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالًا تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعها، وأوحى إليهم العزَّة والأنفة، حتى بلغ عدد من يعتنقونه ويعتزون به
(١) قصة الحضارة ١٣/ ١٣٠، ١٣١، ترجمة: محمد بدران، الطبعة الثالثة، ١٩٧٤ م، عن لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، وانظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام: ص ٢٨٦ (مرجع سابق).