للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا فالتشابه إذا وجد فسببه أنَّ الكتب السماويَّة كلها مصدرها واحد وهو اللَّه عز وجل، والإسلام جاء ليكمل بناء الأديان من قبله وليس مناقضًا لما فيها، أو ما بقي لدى الجاهليين من بقايا الحق سواء في مجال العقيدة أو العبادة أو السلوك والأخلاق (١)، وقد ثبت -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "بعثتُ لأتمم حسن الأخلاق" (٢).

٢ - إنَّه بالأدلة العقليَّة والبراهين المنطقية تسقط آراء المستشرقين وأقوالهم التي زعموا فيها أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لفق العبادات في الإسلام ممَّا عرفه من اليهود والنصارى، ومِمَّا عرفه هو ثُمَّ المسلمون من بعده من بقايا الوثنية الجاهليَّة وبعض الملل والنحل الأخرى، وذلك بالنظر إلى موقف الإسلام من تلك المصادر المتنوعة (ذلك أنَّ طبيعة المسألة تقضي -عادة- أن يضفي المقلد الآخذ أسباب الكمال ومعاني الأصالة وسمات الحق على المصدر الذي استقى منه أصول فكره وعلمه، وأن ينزل صاحبه منزلة العدل في الحكم، والنزاهة في الرأي، والسداد في الفكرة والعقيدة.

أمَّا إذا وجدنا الأمر معكوسًا فإنَّ المنطق يحتم خلاف ذلك، إذ كيف يجوز لعاقل أن يتصور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلميذًا لأحبار اليهود ورهبان النصارى، يشكل قرآنه (نعوذ باللَّه) ويلفق عقيدته من توراتهم وإنجيلهم وسائر مصادرهم، وهو يرى القرآن الكريم يصدر في انتقاده لهذه المصادر عن


(١) انظر: سعيد عاشور: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته: ص ٢٧، ٢٨، (مرجع سابق).
(٢) أخرجه الإمام مالك: الموطأ، ٢/ ٦٩٠، كتاب حسن الخلق، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق)، وفي رواية الإمام أحمد في مسنده: "إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق": ٢/ ٣٨١، ورقم الحديث [٨٩٥٢]، بتحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، (مرجع سابق)، ولمعرفة طرق الحديث والحكم عليه ووروده بلفظ "مكارم الأخلاق" راجع: حاشية الحديث لدى الأرنؤوط (١٤/ ٥١٣)، المرجع السابق نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>