للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف قوي صريح هو موقف الحاكم المتمكن من الأمر المتهم لأرباب تلك المصادر، المنتقد لما (أحدثوا فيها من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان)، وهكذا فإنَّ القرآن الكريم إذ يستعرض آراء اليهود ومعتقدات النصارى لا يصدر عن موقف ضعيف متخاذل، وهو ما يتصف به المقلد للغير، بل يتبين الحق في هذه العقائد من باطلها، ويحمل وزر الباطل على أهله) (١).

لقد وصف اليهود (تارة بالتحريف والتبديل {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦]، وباللبس والكتمان {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤٢]، وبالافتراء وزور القول {يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المائدة: ١٠٣]، والقرآن إذ يستعرض عقيدة المسيح عليه السلام باللَّه تعالى يبعده عن لوثة التثليث، ويعتبر ذلك مسخًا لحقيقة ما بشر به، وتلفيقًا من الرأي نسب إليه {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١١٦]. وإذا كان هذا شأن القرآن الكريم من تلك المصادر. . . فليس لعاقل سديد الرأي أن يورد هذا الزعم الباطل) (٢).

٣ - أمَّا دعوى أنَّ الإسلام اقتبس بعض الأحكام التعبديَّة ممَّا كان عليه الجاهليون؛ فلا يُمكن أن يستنتج (من الإبقاء عليها تأثر الرسول بها باعتبارها أمورًا استمدها من بيئته ولم يوح بها اللَّه إليه في محكم كتابه، ولو كان الأمر خلاف ذلك لأبقى على سائر القوانين والأعراف الجاهليَّة ولما حرَّم بعضًا منها وأباح بعضها الآخر، ولكن التشريع يراعي دومًا


(١) عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام: ص ٢٧، (المرجع السابق نفسه).
(٢) عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام: ص ٢٧، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>