للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلية لمالكه، إنها حق اللَّه فيما أنعم به من مال أو تجارة أو زرع، حق يدفع الإيمان إلى أدائه، وتقوم الدولة على جبايته {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: ١٠٣]، فمن أدَّاها طيبة بها نفسه، فقد كسب رضا اللَّه، وفاز بخيري الآخرة والأولى، ومن أبى قسرته الأُمَّة على أدائها قسرًا، فإن كانت له شوكة قوتل وجندت له الجنود حتى يؤديها، وهذا ما صنعه الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- مع مانعي الزكاة، فالزكاة بهذا الوضع وبمصارفها التي بينها القرآن عبادة جديدة لم تعرف بهذا الكمال في دين من الأديان.

وكذلك الصيام والحج والذكر والدعاء عبادات قديمة مشتركة في أديان كثيرة، ولكن الإسلام نقَّى هذه العبادات جميعًا من كل شائبة، ورقَّى كل نوع منها إلى غايته، وركز فيها من الأسرار، وربط بها من الآثار، وجعل لها من التأثير في الحياة ما يليق بدين عام خالد، مهمته إصلاح الفرد والأُمَّة وهداية العالمين) (١).

٧ - يبدو أنَّ ما انتهجه (ماسنيون) من عشق وهيام بشخصية (الحلَّاج) وطريقته في الفلسفة الصوفية، ليس مجرد قناعة ذاتية أو اختيارًا لرأي شخصي، بل الأمر أعمق من ذلك، إذ يظهر من نهجه ذاك -واللَّه أعلم- إبراز التأثر والاقتباس بالنصرانية في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة في جانبي العقيدة والعبادة، ففيما يخص العقيدة إبراز عقيدة الحلول وفلسفتها التي تتفق مع عقيدة الصلب والتثليث في الديانة النصرانية المحرَّفة. . . وهذا جانب لا يتسع المجال هنا للخوض فيه والرد عليه، وقد سبق أن أفردت العقيدة وموقف المستشرقين منها بمبحث مستقل (٢)، وموضع الرد هنا على جانب العبادة.


(١) انظر: يوسف القرضاوي: العبادة في الإسلام: ص ٢٠٥، ٢٠٦، (مرجع سابق).
(٢) انظر: ص ٣٤٧ - ٣٧١ (البحث نفسه).

<<  <  ج: ص:  >  >>