(إنَّ العبادات الإسلاميَّة المعروفة من صلاة وزكاة وصيام وحج، عبادات قديمة، عرفتها الأديان قبل الإسلام على صورة من الصور، فاللَّه يقول عن بعض الأنبياء:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: ٧٣]، وفي الصيام يقول تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ١٨٣]، وفي الحج يقول: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٦ - ٢٧].
ولكن هذه العبادات الأربع كانت في تلك الديانات مناسبة لعصرها وبيئتها، فلمَّا جاء محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالرسالة الخاتمة الملائمة للبشرية في طور نضوجها، فرض اللَّه عليه هذه العبادات في أكمل صورة لها، ورقَّى كل نوع منها إلى غايته ومنتهاه، ونقَّاها من كل ما شابها خلال العصور وكر الدهور.
فالصلاة لم تعد مجرد ابتهال ودعاء فحسب، ولكنها ذكر ودعاء وتلاوة، وهي أقوال وأعمال يشترك فيها الفكر والقلب واللسان والبدن، واشترط الإسلام لها النظافة والطهارة، وأخذ الزينة، والاتجاه إلى قبلة واحدة، ووزعها على أوقات النهار والليل بمواقيت معينة، وحدد لكلِّ صلاة منها ركعات معدودة، ورتب كيفيتها على نسق فريد، وكملها بما شرع فيها من جماعة وجمعة، وزان ذلك كله بما شرع لها من أذان وإقامة، فالصلاة في الإسلام بهذه الصورة، وتلك الشروط، عبادة فذَّة لم تعرف هكذا في دين من الأديان.
والزكاة في الإسلام عبادة فذَّة -كذلك-، إنَّها ليست مجرد إحسان يتبرع بها متطوع، ولكنّها حق معلوم وفريضة مقدرة على كل من يملك نصابًا محددًا ناميًا من المال حال عليه الحول، فاضلًا عن الحاجات