للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحادثة في مجمل دلائلها، وخلاصة ما يستنتج منها تنسجم مع شخصية الأُمَّة الإسلاميَّة المتميِّزة، ولا سيما إذا أخذ بعين الاعتبار ما صاحبها من تمحيص وابتلاء وامتحان مايز بين المسلمين واليهود والنصارى ومايز كذلك بين المهتدين والناكصين (١) من الأُمَّة الإسلاميَّة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٤٣].

قال ابن كثير في تفسيرها: (يقول تعالى: إنَّما شرعنا لك يا محمد التوجه أولًا إلى بيت المقدس، ثمَّ صرفناك عنه إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه مرتدًّا عن دينه، وإن كانت لكبيرة، أي: هذه الفعلة -وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة-، أي: وإن كان هذا لأمرًا عظيمًا في النفوس إلَّا على الذين هدى اللَّه قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنَّ كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأنَّ اللَّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء) (٢).

وقال قبل ذلك: (ولَمَّا وقع هذا -يعني تحول القبلة- حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك وقالوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (٣).

إلى أن قال: (الشأن كله في امتثال أوامر اللَّه، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة،


(١) انظر: السعدي: تيسير الكريم الرحمن: ١/ ١٥٩ الحاشية رقم [١٠]، (مرجع سابق).
(٢) تفسير القرآن العظيم ١/ ١٩١، (مرجع سابق).
(٣) المرجع السابق نفسه: ١/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>