للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تحدث ابن قيم الجوزية عن حادثة تحويل القبلة في كثير من المواضع من كتبه وما صاحب هذه الحادثة من إرهاصات، وما اشتملت عليه من حكم ودلائل، منها:

أ- إنَّ مشروعية الصلاة إلى بيت المقدس إنَّما كانت أولًا بسبب كونها قبلة الأنبياء وبعث محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بما بعثوا به (وبما يعرفه أهل الكتاب، وكان استقبال بيت المقدس مقررًا لنبوته، وأنه بعث به الأنبياء قبله، وأنَّ دعوته هي دعوة الرسل بعينها، وليس بدعًا ولا مخالفًا لهم، بل مصدقًا لهم مؤمنا بهم، فلمَّا استقرت أعلام نبوته في القلوب، وقامت شواهد صدقه من كل جهة، وشهدت القلوب له بأنَّه رسول اللَّه حقًّا وإنْ أنكروا رسالته عنادًا وحسدًا وبغيًا، وعلم سبحانه أن المصلحة له ولأمته أن يستقبلوا الكعبة البيت الحرام أفضل بقاع الأرض وأحبها إلى اللَّه، وأعظم البيوت وأشرفها وأقدمها قرر قبله أمورًا كالمقدمات بين يديه لعظم شأنه فذكر النسخ أولًا) (١).

ويقول أحد المؤلفين في هذا الصدد: (إنَّ صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيت المقدس ثُمَّ تحوله إلى الكعبة في مكة ليوحي بأنَّه هو النبي الذي يجب أن يدين له أهل القبلتين، ويؤمن برسالته كل العالمين، حيث لم تكن دعوته دعوة محلية ولا رسالة إقليمية، وإلَّا لما احتاج إلى هذه السياحة التي جمعت له أطراف الأرض) (٢).

والمؤلف يقصد بهذه السياحة قصة الإسراء وما حدث فيها من استقبال الأنبياء لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقديمه عليهم إمامًا حيث صلى بهم في المسجد الأقصى، وقد انتزع المؤلف المذكور من هذه الحادثة: إقرار الأنبياء بنبوة


(١) ابن قيم الجوزية: بدائع التفسير ١/ ٣٦٠، (مرجع سابق).
(٢) محمد السيد الوكيل: تأملات في سيرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: ص ٨١، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>