للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءت بعد انقضاء أجل الأُمَّة الصالحة، وهذا يعني أنّ على الأمة الخالفة أن تقتدي بالأمَّة المخلوفة، وأن تسير على نهجها وسلوكها) (١).

ومهما بلغت الفوارق بين صيغ (خليفة) و (خلائف) و (خلفاء) و (مستخلفين) ونحو ذلك مِمّا ورد في قضية الاستخلاف فإنَّ العبرة بما قصَّهُ اللَّه من تفضيله لآدم عليه السلام وذريته على سائر المخلوقات، وما فطره عليه من التوحيد والعلم، وكذلك ما حدث منه وزوجه من معصية كانت سببًا لإخراجهما من الجنَّة، ثُمَّ ما حدث منهما من ندم وتوبة، وما تفضل به أرحم الراحمين (٢) من قبول لتوبتهما، ومن ثُمَّ بدأ تاريخ الاستخلاف، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٨ - ٣٩]، وببداية الاستخلاف بدأ الصراع بين الخير والشر، فقد أهبط آدم وزوجه ومعهما إبليس إلى الأرض لتبدأ ملحمة العداء بين آدم هو وذريته في جانب مع إبليس وذريته في الجانب الآخر (٣).

قال بعض المفسرين: (ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه، وإيصال الشر إليه بكل طريق؛ وحرمانه الخير بكل طريق، ففي هذا (أي: قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: ٣٦]) تحذير بني آدم من الشيطان، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٦]، {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ


(١) المرجع السابق نفسه: ص ٢٧.
(٢) اشتملت الآيات (٣٠ - ٣٩) من سورة البقرة على مجمل القصة، وما تشتمل عليه من دلائل ومضامين تتعلق بوجود الجنس البشري ومهمته في الحياة وعاقبته فيها إزاء موقفه ممَّا جاءه عن اللَّه من الهدى.
(٣) انظر: السعدي: تيسير الكريم الرحمن: ١/ ٧٤، ٧٨، (مرجع سابق). وانظر: ابن قيم الجوزية: بدائع التفسير ١/ ٣٠٤ - ٣١٢، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>