ومن ثمَّ تجري عليهم سنة فناء الحضارات بهذا السبب، ولا يغني تقدمهم في الجانب المادي عن ارتدادهم إلى أسفل سافلين في جانب العبودية، قال تعالى -مبينًا ذلك كله-: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ٨٢ - ٨٥].
ويتضح لنا من قوله تعالى:{كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} أن التقدم المدني والتقني والعمراني يحدث في جانب السيادة بسبب زيادة حصيلتهم في العلوم والخبرات، وقد فتنهم هذا كله فلم يستجيبوا لدعوة الرسل للسمو في جانب العبودية والارتفاع إلى أحسن تقويم، فحقَّت عليهم سنة اللَّه في فناء الحضارات) (١)، وما يقال عن العلم كمقوم للاستخلاف في مفهومه العام يقال عن المقوم الآخر، وهو التسخير.
* * *
(١) فاروق الدسوقي: استخلاف الإنسان في الأرض. . . ص ٥٧، ٥٨، (مرجع سابق).