للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نهجهم من سلف الأُمَّة الصالح، وهي بذلك وسيلة من وسائل تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة في تاريخها كلِّه، فإنَّ الإسلام أكد على أهميَّة سلامة هذه المفاهيم من اللبس والاختلاط في معناها بما قد يحمل معنى فاسدًا أو يكون وسيلة إلى محرم (١)، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: ١٠٤]، حيث نهى -عز وجل- عن استخدام لفظ (راعنا)، التي يقصد بها في الأصل ما تعنيه كلمة ("راعيت الأمر": نظرت إلام يصير، ورعيت النجوم: رقبتها) (٢)، وكان سبب النهي عن استخدامها اختلاط معناها بما يدل عليه لفظ "رعن" من (هوج واضطراب) (٣)؛ ولأنَّها (كلمة كانت اليهود تنساب بها وهو من الأرعن؛ قرأها "راعنًا" منونة فتأويلها: لا تقولوا حمقًا من القول؛ لأنه يكون كلامًا أرعن: أي مضطربًا أهوج) (٤).

يقول ابن قيم الجوزية في تفسيرها: (نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير؛ لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم، فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقصدون بها السب، يقصدون فعلًا من الرعونة، فنُهيَ المسلمون عن قولها سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تشبهًا بالمسلمين يقصدون بها غير ما قصده المسلمون) (٥).

إنَّ هذا الحدث التاريخي يكشف عن أهميَّة المفاهيم كوسائل ينبغي


(١) انظر: السعدي: تيسير الكريم الرحمن ١/ ١٢٠، (مرجع سابق).
(٢) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (رعى)، (مرجع سابق).
(٣) المرجع السابق نفسه: مادة (رعن)، (مرجع سابق).
(٤) المرجع السابق نفسه: مادة (رعن).
(٥) بدائع التفسير ١/ ٣٣٣، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>