للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأُمَّة الإسلاميَّة أن تدرك خطورتها من ناحيتين؛ أولهما: باعتبارها وسيلة يستخدمها أعداء الأُمَّة في الكيد لها، ويربطونها بمقاصدهم الشريرة ولو على الصعيد النفسي على أقل تقدير، وأخراهما: باعتبارها وسيلة من وسائل تحقيق تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة، ويتضح هذا الأمر بجلاء إذا أُنْعِمَ النظرُ فيما جاء قبل تلك الآية وما جاء بعدها، فالآيات السابقة كانت تضع (المسلمين وجهًا لوجه أمام الهدف الحقيقي لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. . . إنَّه تحويل المسلمين عن دينهم إلى دين أهل الكتاب ولن يرضوا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يتبع ملتهم، وإلَّا فهي الحرب والكيد والدس إلى النهاية، وهذه هي حقيقة المعركة التي تكمن وراء الأباطيل والأضاليل، وتتخفَّى خلف الحجج والأسباب المقنعة) (١).

وتأتي الآيات بعدها فتبين ما خصَّ اللَّه به الأُمَّة الإسلاميَّة من الفضل والرحمة، وترسخ اليقين في اللَّه في نفوس المسلمين، وأنَّ له ملك السموات والأرض، وهو وليهم ونصيرهم، وذلك تعليلًا -واللَّه أعلم- لما حدث من نسخ سواء في الآيات القرآنية أو الأحكام والشعائر الدينيَّة، وبخاصة حادثة تحويل القبلة التي اهتبل اليهود فرصتها للتشكيك في عقيدة المسلمين، وتابعهم المشركون وسائر أهل الكتاب، وجاءت الآيات -المشار إليها- لتحذر المسلمين مِمَّا وقع فيه اليهود مع نبيهم موسى عليه السلام من مُساءلة أدت بهم إلى الجحود والانحراف عن حقيقة التميُّز الذي ألزمهم اللَّه به، وأنَّهم إذ لم يحققوه وسلبهم اللَّه إياه وسلب غيرهم من أهل الكتاب والمشركين، واختار له المسلمين {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: ٢٦]، طفحت نفوس كثير من أهل الكتاب بالحسد الذي تحول إلى إرادة وعمل لصرف المسلمين عن دينهم إلى الكفر، كما جاء


(١) سيد قطب: في ظلال القرآن ١/ ١٠٠، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>