ذلك في آية أخرى وهي قوله تعالى:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[النساء: ٨٩]، ومِمَّا يلحظ في كثير من آيات الذكر الحكيم أنَّها: تجمع (بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر. . . وكلاهما كافر بالرسالة الأخير فهما على قدم سواء من هذه الناحية، وكلاهما يضمر للمؤمنين الحقد والضغن، ولا يود لهم الخير، وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين، هو أن يختارهم اللَّه لهذا الخير، وينزل عليهم هذا القرآن، ويحبونهم بهذه النعمة، ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض، وهي الأمانة الكبرى في الوجود. . . وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة، وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه، وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل، وفي التقرير الذي سبقه عمّا يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد، وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها -ويقودها- اليهود، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين. . .)(١).
ومِمَّا ينبغي ذكره في سياق الالتزام بالإسلام والاعتزاز به في نطاق المفاهيم، أنَّ الأُمَّة الإسلاميَّة تعي ما كان منها موروثًا بشريًّا عامًّا تأخذ به أيُّ أُمَّة من الأمم، فهي بقدر حرصها على تأصيل مفاهيمها وتميُّزها فيما يتصل بعقيدتها وشريعتها وشعائرها وما يتصل بسلوك أفرادها ومجتمعاتها وآدابهم، فإنَّها لا ترد المفاهيم المتأصلة بمجهود الأمم الأُخرى في نطاق العلم التجريبي ونحوه، وقد تصدى لبيان ذلك بعض علماء الأُمَّة.
وعلى سبيل المثال ما بيَّنه ابن تيمية في قوله: (. . فإنَّ ذكر ما لا يتعلق بالدين مثل مسائل "الطب" و"الحساب" المحض التي يذكرون فيها ذلك،
(١) سيد قطب: في ظلال القرآن ١/ ١٠١، ١٠٢، (مرجع سابق).