للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحضارة، مناهج لم تسبق لمثلها، (ولقد جهد السلف الصالح بدءًا من الصحابة رضوان اللَّه عليهم، ومن تبعهم، كل جهدهم لينالوا المراتب السنية، فضربوا أكباد الإبل في فجاج الأرض، شرقًا وغربًا بهمم عالية، ونفوس سخيَّة راضية، بحثًا عن العلم، وتحصيلًا للمعرفة، فأثمر صنيعهم هذا أطيب الثمار، وترك في المجتمع الإسلامي كلِّه أبلغ الآثار من توحيد لصفوف الأُمَّة، وترسيخ لمبادئها، وصون لأطرافها، ونشر لمراكز العلم في أقطارها، قاصيها ودانيها، وتنافس بين هذه الأقطار في مراقي الخير هذه، وانتشار لصحيح الأفكار، وجليل المؤلفات، خلال زمن يسير في جميع البلاد، وغير ذلك من مظاهر القوة العلمية ما يستحق أن يوضع تحت الدرس والتأمل للعبرة والاستلهام) (١).

أمَّا ما يخص مناهج المسلمين في مختلف العلوم، وسبقهم إلى المنهج العلمي الحديث فمرده إلى حقيقة تاريخية تبين أنَّ علماء الأُمَّة الإسلاميَّة كانوا الرواد في وضع هذه المناهج وتطويرها، فلقد (ترجم سلفنا الصالح هذه المعاني في عصور ازدهار الحضارة الإسلاميَّة إلى حقائق ومناهج علمية سديدة لا زالت آثارها قائمة بيننا، نغترف من مناهلها الصافية، لا ينقصها التخطيط السليم، والأصالة الفكريَّة، والأسلوب السلس الواضح في مختلف ميادين الفكر والمعرفة.

ويعجب المرء وهو يعالج موضوع كتابة البحوث العلمية ومناهجها الحديثة أن يجد في مصادر تراثنا المبكر دروسًا علميَّة قائمة؛ لكل قواعد ومناهج كتابة البحث العلمي على الأصول الحديثة، حتى بالنسبة للعلوم التي (تحتاج إلى دقة وتحديد في المضمون والصياغة) كالفقه وأصول الفقه، فكلاهما له طابعه وملامحه وصعوباته النابعة من طبيعة الموضوعات


(١) فاروق حمادة: أسس العلم وضوابطه. . . ص ١٩، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>