للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له من أن ينبع من (إحساس المسلمين العميق بوحدتهم السياسيَّة الجامعة رغم انقسامهم عمليًّا إلى دول وممالك، ورغم عمليات التقسيم والتجزئة التي فرضت عليهم، لقد كان المسلمون عشية اصطدامهم مع الغرب الاستعماري الحديث موزعين بين خمس دول رئيسة هي: الإمبراطوية المغوليَّة في الهند، والدولة الصفويَّة في فارس، والدولة المملوكيَّة في مصر والحجاز والشام، والدولة العثمانية في تركيا وآسيا الصغرى، والدولة السعدية في المغرب، وعلى الرغم من ذلك فقد كان إحساس المسلمين بوحدتهم الجامعة أقوى من أن تحده هذه التقسيمات السياسيَّة التي تقوم على أساس الصراع على السلطة بين الحكام، ذلك الصراع الذي كان من أعظم أسباب شقاء هذه الأُمَّة وضعفها، لكن هذا الصراع بكل آثاره السيئة لم يقضِ على إحساس المسلمين بوحدتهم، وأكبر دليل على ذلك أنَّه ما أن يتهدد العالم الإسلامي خطر خارجي داهم حتى تراهم جميعًا يتنادون للتوحيد أمام هذا الخطر، متجاوزين ما بينهم من خلافات) (١).

وستبقى مجالات التعاون ومقتضيات التكامل مفتوحة الأبواب بين شعوب الأُمَّة الإسلاميَّة ودولها على تباعد أقطارها، وتنوع دولها، وستجد الأُمَّة من الوسائل والأساليب الحضاريَّة المعاصرة ما يعزز ذلك التعاون والتكامل كلَّما التزمت بهدي الإسلام وشرعه شريطة أن يكون تعاونها منبثقًا من مفهوم البر والتقوى، وسيكون ذلك من أعظم ما يحقق للأُمَّة تميُّزها، ويتيح لها الفاعليَّة الخيِّرَة في التاريخ والحضارة، ولعل من النماذج الحيَّة في العصر الراهن ما تشهده الأُمَّة الإسلاميَّة من دعوات إلى التضامن الإسلامي، وغيرها من الأعمال والروابط التي يتحقق من خلالها التعاون


(١) محمد رشاد خليل: المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره: ص ١٥٩، ١٦٠، الطبعة الأولى ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م، عن دار المنار - القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>