من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، هذا التاريخ شاهد حق على ما قام به المبشرون المسلمون في أول عهد الإسلام من الأعمال الجليلة التي لم يقم بمثلها غيرهم من المبشرين، ولا ننسى أن روح التبشير ونشر الدعوة في سبيل الرسالة لم تبرح حيّة على الدوام، على انحطاط الممالك الإسلاميَّة وتدنيها، فلذلك ما انفك الإسلام طيلة القرون الوسطى ينتشر في الهند والصين، وبينما كانت الرسالة المحمديَّة تنتشر في نائي تلك الأصقاع، كان الترك ينشرونها، ويرفعون أعلامها في شبه جزيرة البلقان، وبين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، كان المبشرون المسلمون يفتحون بلاد غربي إفريقية، وجزائر الهند الهولندية، وجزائر الفليبين فتحًا دينيًا مبينًا) (١).
وبعد أن يذكر ما حدث للدعوة الإسلاميَّة من خمود في أعقاب ذلك، ثُمَّ ما حدث لها في العصر الحديث من يقظة أشار إلى حقيقة لازمت الدعوة إلى الإسلام، فيقول:(وعند اعتبار شأن انتشار الإسلام هذا الانتشار، يجب أن تعلم العلم اليقين أنّ كل مسلم هو بغريزته وفطرته مبشر بدينه، ناشر له بين الشعوب غير المسلمة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وعلى ذلك إن نشر الرسالة المحمديَّة لم يقم به رجال التبشير وحدهم. . بل شاركهم فيه جماعات عديدة من السياح والتجار والحجاج على اختلاف أجناسهم، ولا يؤخذن من هذا أن لم يقم في المسلمين مبشرون (دعاة) ارتشفوا كؤوس الحمام في سبيل الدعوة الإسلاميَّة، فعديد المبشرين الذين هم على هذا الطراز كثير. .، وقد اعترف عدد كبير الغربيين بهذا الأمر، فقد قال أحد الإنكليز -في هذا الصدد- منذ عشرين سنة: "والإسلام يفوز في أواسط إفريقية فوزًا عظيمًا حيث الوثنيَّة تختفي من أمامه اختفاء الظلام
(١) حاضر العالم الإِسلامي ١/ ٣٠٠، ٣٠١، (مرجع سابق)، وانظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام: ص ٢٩٢، (مرجع سابق).