للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ المتأمل في مقولة (بارت) وما كتبه (جاستون فييت) في كتابه (مجد الإسلام) لا يسعه إلَّا أن يسجل على المنهج الاستشراقي مأخذين في غاية الأهمية:

أحدهما: إنّ المنهج النقدي الذي يذكر (بارت) بأن المستشرقين يطبقونه على تاريخ الغرب وعلومه لا يصلح أن يطبق على الإسلام وتاريخه؛ لاختلاف المنطلقات والغايات، ومصادر المعرفة، وتباين البيئات.

والآخر: إنّ ما عمد إليه (جاستون فييت) في كتابه (مجد الإسلام) يعد منهجًا اختياريًّا انتقائيًّا تحكمه الأهواء والأغراض والمصالح، وهذا لا يمت إلى المنهج العلمي بصلة، وقد درج على مثل هذا المنهج الزائغ كثيرٌ من المستشرقين، كما أشار إلى ذلك (رودنسون) في قوله: (ولم ير المستشرقون في الشرق إلَّا ما كانوا يريدون رؤيته، فاهتموا كثيرًا بالأشياء الصغيرة والغريبة) (١)، وقال أيضًا: (حين كان الغربيون يذهبون إلى الشرق كانت تلك (أي: صورة المشوهة للشرق) هي الصورة التي يبحثون عنها، فينتقون ما يرونه بعناية، ويتجاهلون كل ما لا تنسجم مع الصورة التي كونوها سابقًا) (٢).

ويصل الباحث في نهاية دراسته لما يتصف به المنهج الاستشراقي إلى القول: (إنَّ الإسلام الذي يعوضه هؤلاء المستشرقون -المتحاملون على الإسلام- في كتبهم هو إسلام من اختراعهم، وهو بالطبع ليس الإسلام الذي ندين به، كما أن محمدًا الذي يصورونه في مؤلفاتهم ليس هو محمد الذي نؤمن برسالته، وإنَّما هو شخص آخر من نسج خيالهم، وهكذا يُمكن القول بأن الاستشراق -في دراسته للإسلام- ليس علمًا بأي مقياس


(١) نقلًا عن محمود حمدي زقزوق: الاستشراق. ص ١١٦، (مرجع سابق).
(٢) نقلًا عن المرجع السابق نفسه: ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>