والتجريح في كيان السيرة ونسيجها، فيصطدم بذلك الحس الديني، ويرتطم بالبداهات الثابتة، وهو من خلال منظوره العقلي والوضعي، يسعى إلى فصل الروح عن جسد السيرة، ويعاملها كما لو كانت حقلًا ماديًّا للتجارب والاستنتاجات وإثبات القدرة على الجدل. . إن البحث في السيرة بوجه خاص، يستلزم أكثر من أيِّ مسألة أخرى في التاريخ البشري؛ شرطين من شروطه الأساسية: التأثير الجمالي الذي يُمكنه من أداء وظيفته الوجدانية، والمقومات العلميَّة التي تمكنه من أداء وظيفته الحيويَّة. إنَّ هذين الشرطين اللذين يُمكن أن يوفرهما منهج متماسك سليم يقوم على أسس علميَّة موضوعيَّة لا يخضع لتحزب أو ميل أو هوى. وقد كانت مناهج البحث الغربي (الاستشراقي) في السيرة تفتقر إلى أحد هذين الشرطين) أو كليهما معًا. وكانت النتيجة أبحاثًا تحمل اسم السيرة، وتتحدث عن حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتحلل حقائق الرسالة، ولكنها -يقينًا- تحمل وجهًا وملامح وقسمات مستمدة من عجينة أخرى غير مادة السيرة، وروح أخرى غير روح النبوة ومواصفات أخرى غير مواصفات الرسالة. . إنَّ نتائجها تنحرف عن العلم؛ لأنها تصدر عن الهوى. . وتسعى لأن تخضع حقائق السيرة لمقاييس تؤدي إلى نسخ كل ما هو جميل، وتزييف كل ما هو أصيل، وتميل بالقيم المشعَّة إلى أن تفقد إشعاعها، وترتمي في الظلمة، أو تؤول إلى البشاعة) (١).
ب- وتناول المستشرقون -المعادون للإسلام- عهد الخلفاء الراشدين وعهد الخلافة الأمويَّة، والخلافة العباسية وما بعد ذلك إلى العصر الحديث، في ضوء مناهج بحثيَّة زائفة أظهرت تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة السياسي في صورة مزيَّفة اعتمدت على تراث الزنادقة والشعوبيين وسائر الفرق المنشقة
(١) انظر: عماد الدين خليل: المستشرقون والسِّيرة النبوية (بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتغومري وات) ١/ ١١٦، ١١٧، (مرجع سابق).