يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ الْمُوصِي إذَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِهِمَا وَإِذَا احْتَمَلَ قَدْرَيْنِ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا اهـ.
وَلَوْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمُفْتِي مِثْلَ ذَلِكَ لَظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَزَالَ عَنْهُ عَمَى الْعَصَبِيَّةِ وَسَلِمَ مِنْ دَاءِ الْحَمِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو لُبٍّ يُقَالُ عَلَيْهِ التَّنْوِينُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيْ ذُو لُبٍّ سَقِيمٍ وَقَلْبٍ لَمْ يُلْقِ السَّمْعَ قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ شَهِيدٌ وَإِنَّمَا وَلِعَ بِهَوَاهُ وَدَنْدَنَ عَلَى مَا أَغْوَاهُ وَفِي سَحِيقِ الْآرَاءِ وَسَخِيفِ الْإِذْرَاءِ أَرْوَاهُ وَأَهْوَاهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِيَّاهُ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ وَأَيْقَظَنَا وَإِيَّاهُ لِاجْتِنَابِ الْآرَاءِ الَّتِي تُوقِعُ فِي هُوَّةِ الشُّذُوذِ وَالْغَرَابَةِ وَالْبِدَعِ وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِنَا عَلَى مَا يُرْضِيه عَنَّا عَلَى الدَّوَامِ وَأَخَذَ بِأَزِمَّةِ نَوَاصِينَا إلَى الدَّأَبِ فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيُخَلِّصُهُمْ مِنْ وَرْطَةِ الْعِقَابِ وَالْآثَامِ أَنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَبِشَهَادَةِ اللَّهِ لَمْ أَقْصِدْ تَنْقِيصَ ذَاتِ هَذَا الْمُفْتِي بِكَلَامِهِ مِمَّا سَبَقَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِيمَا بَرَزَ عَنْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ تَصَدَّى لِإِفْتَاءِ النَّاسِ وَنَفْعِهِمْ وَإِنَّمَا قَصَدْت بِذَلِكَ التَّنْفِيرَ عَنْ مَقَالَتِهِ فَإِنِّي بَالَغْت فِي تَقَصِّي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ أَرَ لَهَا وَجْهًا يُوَافِقُ الصَّوَابَ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُؤَهَّلَ لِلْخِطَابِ فَبَالَغْت فِيمَا سَبَقَ مِنِّي تَنْفِيرًا لِمَنْ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ عَنْ اعْتِمَادِهَا وَمُسَاعِدَةً لِذَلِكَ الْمُفْتِي لِئَلَّا يَعْمَلَ بِفَتْوَاهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ غَايَةَ ازْدِيَادِهَا خَتَمَ اللَّهُ لَنَا أَجْمَعِينَ بِالْحُسْنَى مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ مِحْنَةٍ وَلَا فِتْنَةٍ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ) قَوْلُهُ وَلَكِنْ حَكَى أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ جَعَلُوا لِلْمُوصَى لَهُ حَذْفَهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْحَيِّ وَيَكُونُ مَوْضِعَ أَبِيهِ حَيًّا فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ لَهُ الْخُمُسَانِ اهـ.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ كَمَا مَرَّ وَإِيضَاحُهُ يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ كَلَامَيْ الْأُسْتَاذَيْنِ وَمُقَابِلِيهِمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ أَوْ رَابِعٍ لَوْ كَانَ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأُولَى بِالثُّلُثِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالرُّبُعِ وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْخُمُسِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ إقَامَة الْمُوصَى لَهُ مَقَامَ الِابْنِ الْمُقَدَّرِ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأُولَى بِالنِّصْفِ وَالثَّانِيَةِ بِالثُّلُثِ وَهَكَذَا وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ مِثْل فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَحُكِيَ عَنْ الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمُقَدَّرِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَقَالُوا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لَوْ كَانَ أُعْطِيَ نَصِيبَهُ زَائِدًا عَلَى سِهَامِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَوْصَى بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنْ أَصْلِ سِهَامِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَوْجُودِ أَوْ بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ زَائِدًا عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُمْ هَذَا تَعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْوَارِثَ الْمُقَدَّرَ وُجُودُهُ لَا يُحْسَبُ زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ قِيَامُهُ مَقَامَ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالنَّصِيبِ أَوْ بِمِثْلِ النَّصِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ كَافَّةً مُخْتَلٌّ جِدًّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بَلْ وَالْمَعْنَى كَمَا سَبَقَ وَمَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ وَحَذْفِهَا أَوْ إلَى الْمُقَدَّرِ الْمَوْجُودِ افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْن أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ فَيُقَدَّرُ زَائِدًا أَوْ بِحَذْفِهَا فَيُقَدَّرُ غَيْرَ زَائِدٍ وَهَذَا الشِّقُّ الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُهُ وَيُفَرَّقُ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي مَنْصُورٍ بِأَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّقْدِيرِ إذَا أُتِيَ بِمِثْلِ كَانَ صَرِيحًا فِي الزِّيَادَةِ وَإِذَا حَذَفَهَا كَانَ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ إنْ قَدَّرَ مِثْل لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ حَذْفِهَا إنَّمَا يَعْتَبِرُونَ تَقْدِيرَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَحَيْثُ لَا تَقْدِيرَ تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِبُطْلَانِهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي مَنْصُورٍ بِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ حِرْمَانَهُ وَهُوَ لَيْسَ لِلْمُوصِي أَيْ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن الْإِتْيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute