الْعُرْفِ وَاطِّرَادِهِ فِي جِهَتِهِمْ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بِنَاء عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ اللُّغَةَ وَلَا الْعُرْف الْعَامّ وَلَا يُعَارِضُهُ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْقَفَّالِ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي نَاحِيَةٍ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ قَالَ فَلَوْ عَمَّ النَّاسَ اعْتِيَادُ إبَاحَةِ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ فَجُعِلَ الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ بِمَثَابَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِهِ حَتَّى تِلْمِيذُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُحْكَى عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الْمُوصِي بِالدَّابَّةِ مِصْرِيًّا فَإِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحِمَارِ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَارِيَةٌ بِرُكُوبِ الْحُمُرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ عَادَةُ بَلَدٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ عَادَاتِ الْبِلَادِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ عَادَةُ بَلَدٍ وَاحِدَةٍ أَيْ إقْلِيمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ خُصُوصُ مِصْرَ بَلْ جَمِيعُ إقْلِيمِهَا فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَخْصِيصُهُمْ الدَّابَّةَ بِالْحِمَارِ إنْ فُرِضَ صِدْقُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ عُرْفَهُمْ إطْلَاق الدَّابَّةِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ أَيْضًا فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا الْعُرْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتِي لِأَنَّهُ إنْ سَلِمَ لَهُ وُجُودُ هَذَا الْعُرْفِ يَكُونُ خَاصًّا وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ لَا يَرْفَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَلَا الْعُرْفُ الْعَامُّ إلَّا لِعَارِضٍ كَمَا يَعْلَمُ مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعُودِ مِنْ الْبَدْوِيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إطْلَاقَ الْعُودِ عَلَى غَيْرِ الرُّمْحِ يُحْمَلُ عَلَى الرُّمْحِ وَيُفَرَّقُ بَيْن هَذِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الْعُودَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَالْعُرْفُ لَهُ دَخْلٌ فِي تَعَيُّنِ بَعْضِ مَحَامِلِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي مُقْتَضَاهُ الَّذِي مَرَّ تَقْرِيرُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَالْعُرْفُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الصَّرَائِحِ فَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مِنْ الثَّانِي بَلْ إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَهُمْ الْمَذْكُورَ وَجَدْتهمْ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يُغَيَّرُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَإِنْ اطَّرَدَ الْعُرْفُ الْعَامُّ بِخِلَافِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَيْسَتْ الْمُعَاطَاةُ بَيْعًا حَتَّى فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَإِنْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى عَدِّهَا بَيْعًا فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَنْ النَّاشِرِيّ وَالْعُرْفُ قَدْ يَضْعُفُ فَيُطْرَحُ إلَخْ قَدْ يُقَال عَلَيْهِ مَا زَعَمْته مِنْ الْعُرْفِ هُنَا ضَعِيفٌ فَهُوَ مَطْرُوحٌ وَزَعْمُك قُوَّتَهُ لَا يُفِيدُك شَيْئًا وَإِنْ سَلِمَ لَك لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ اللُّغَةَ وَلَا الْعُرْفَ الْعَامَّ، وَأَنْ الْعُرْفَ وَإِنْ عَمَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالدِّينَارِ إلَخْ هَذَا مِنْ الْخَلْطِ النَّاشِئِ عَنْ عَدَمِ الْفَهْمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يُرَوَّجُ فِيهَا غَالِبًا وَلَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِمَا أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِقِلَّةِ وُقُوعِهِ وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ سَابِقٍ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَإِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمُهُ نَاقِصَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّاقِصَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَامَلَةٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ تَقَعُ فِيمَا يَرُوجُ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْن نَحْوِ الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْبَيْعِ مَا يَرُوجُ فَمِنْ ثَمَّ حُكِّمَتْ الْعَادَةُ فِيهِ وَنَزَلَ الْمُطْلَقُ فِيهِ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ فِيهِ غَالِبٌ وَإِلَّا وَجَبَ بَيَانُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَقْصُودًا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا فَلَا يُقْصَدُ فِيهَا رَوَاجٌ وَلَا عَدَمُهُ وَأَيْضًا فَوَقْتُ الْمِلْكِ فِيهَا إنَّمَا يَدْخُلُ بِالْمَوْتِ وَقَدْ يَكُونُ الزَّمَنُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ طَوِيلًا فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ وَلَا وَقْت الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَ النَّظَرُ فِيهِ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعُرْفِ دَخْلٌ فِيهِ أَصْلًا كَمَا اتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته وَحَرَّرْته فَاعْلَمْهُ وَقَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْعَامِّيِّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إلَى الْمُجَازَفَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْإِفْتَاءِ وَمَا الَّذِي سَلَبَ الْإِمْكَانَ الْأَعَمَّ أَوْ الْأَخَصَّ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ يَبْعُدُ مِنْ الْعَامِّيِّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لِلْحَافِدِ سَهْمًا وَلِوَالِدِهِ سَهْمًا وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّا نُدِيرُ الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ اللَّافِظُ أَمْ لَا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرُّوهُ وَهَهُنَا مُقَدِّمَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute