وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِطَابُهَا بِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي السَّوَادِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَكَانَ هُوَ الْحَيْضُ وَحْدَهُ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي تَعْلِيلِهِمْ جَعْلَ حَيْضِ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلُهُ، وَطُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَجْعَلُوا حَيْضَهَا غَالِبَ الْحَيْضِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، وَلِكَوْنِ مُدْرَكِ هَذَا أَظْهَرُ كَمَا بَانَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَلِكَوْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ هُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدْت الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي دَمٍ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَّا لِعَارِضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ فَتَأَمَّلْ سَبَبَ اخْتِلَافِ نَظَرِ النَّوَوِيِّ وَحِكْمَةَ اعْتِمَادِهِ فِي التَّحْقِيقِ مُقَابِلَ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبِتَأَمُّلِ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ: وَذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَا ذَكَرُوهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ فِي دَمٍ حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْهَا فِيمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ كَمَا يَأْتِي إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ لَا إنْ كَانَ انْقَطَعَ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ هُنَا فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ عَلَى السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ مَعًا، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا تَخْصِيصُهُمْ الْحُكْمَ بِالْقَوِيِّ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَجْعَلُ الْحُمْرَةَ هُنَا تَابِعَةً لِلْقَوِيِّ وَمُنْدَرِجَةً فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الضَّعِيفَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا فَشَمِلَهَا كَلَامُهُمْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، فَظَهَرَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بِمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ مِمَّا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ مَلْحَظٌ تُخَالِفُ التَّحْقِيقَ وَالْمَجْمُوعَ وَرُدَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ (وَأَصْلُهَا وَحُكْمُهَا يُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مُشِيرًا إلَى ضَعِيفِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَيْفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْوِيَتِهِ وَاعْتِمَادِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِيهِ الرَّادُّ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّ الْأَسْوَدَيْنِ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضًا. .. إلَخْ) وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَمْ يَقُلْ إنَّ الْأَسْوَدَيْنِ حَيْضٌ، وَكَوْنُ الْأَحْمَرِ ضَعِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا يُجَابُ عَنْهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَوَّلِ اقْتَضَتْ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَكَيْفَ هُوَ الْحَيْضُ إلَخْ. ..
قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا وَطُهْرًا) إلَى قَوْلِهِ
(وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ) فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا الْأُولَى وَلَوْ رَأَتْ. .. إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هَذِهِ.
ثَانِيهَا: مَا ذَكَرَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ إذْ الضَّعِيفُ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَالْقَوِيُّ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مَا ذُكِرَ وَلَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْأَسْوَدَ الثَّانِيَ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَضْعَفُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبَهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَسْوَدَ لَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ. .. إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ذَلِكَ فَهَذِهِ بَانَ بِانْقِطَاعِ الْأَسْوَدِ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهَا تَمْيِيزٌ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا وُجِدَ لَهَا دَمَانِ وَطُهْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَطُهْرًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنَّ الدَّوْرَ الْأَوَّلَ أَوَّلُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَالدَّوْرُ الثَّانِي أَسْوَدُهُ حَيْضٌ وَنَقَاؤُهُ طُهْرٌ.
قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ مَا ذُكِرَ كَمَا يُعْرَفُ بِتَدَبُّرِ مَا ذَكَرْته الْمُوَافِقِ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ لِلْقَوِيِّ وَبِالطُّهْرِ لِلضَّعِيفِ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ أَوْ تَأَخَّرَ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ سَاوَاهَا انْقَطَعَ الدَّمُ كُلُّهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ اسْتَمَرَّ، وَنَقْصُهُ عَنْ ثَلَاثِينَ لَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَاضَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ حَيْثُ جَاوَزَ الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ (الشَّامِلُ) لِمَا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الثَّانِيَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الضَّعِيفُ وَحَيْضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوِيُّ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْأَسْوَدُ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ عَلَى لَوْنِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَجْمُوعِ الْآتِيَةُ وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنْ عَقِبَهُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، فَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute