الْمَذْكُورِ صَارَ غَيْرَ قُرْآنٍ لِمَا يَأْتِي وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْهَم الْمُصَلِّي غَيْرَهُ غَرَضًا آخَرَ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ وَقَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذُكِرَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي بَابَيْ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لَهَا إلَّا أَجَبْت خِطَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ خَاطَبَهَا فَقَرَأَتْ آيَةً تَتَضَمَّنُ جَوَابَهُ فَإِنْ قَصَدَتْ الْجَوَاب وَحْدَهُ لِمَا يَأْتِي طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَنِثَ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ أَفْهَمَهُ بِهَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْإِفْهَام وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ.
وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ وَالْقِرَاءَةَ حَنِثَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَحَالِّ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهُ عَلَى الْجُنُبِ فَجَعَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ قُرْآنًا وَيُوَجَّهُ تَغْلِيبُهُمْ قَصْدَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ الْمَوْضُوعِ هُوَ لَهَا فَغَلَبَ عَلَى قَصْدِ التَّبَرُّك بِعُرُوضِهِ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا الصَّلَاةَ بِهِ فِيمَا لَوْ قُصِدَ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّفْهِيمُ لِبَقَاءِ نَظْمِ الْقُرْآنِ عَلَى حَالِهِ وَلَا نَظَرَ لِقَصْدِ التَّفْهِيمِ الْمُنْضَمِّ إلَى قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا ذَكَرْتُهُ. وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الْمَذْكُورَة وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَدَّمْته عَنْهُمْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَوْ قَصَدَتْ الْجَوَابَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ تَغْلِيبًا لِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا قَدَّمْته أَيْضًا فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهَا أَنَّهَا أَجَابَتْهُ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَلَامِ لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ وَوَجْهُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً وَلَا تَبَرُّكًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ أَحَلُّوا الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ حِينَئِذٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ أَيْ عِنْد عُرُوضِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا كَالْجَنَابَةِ هُنَا لَا مُطْلَقًا لِمَا يَأْتِي وَأَبْطَلُوا بِهِ الصَّلَاةَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَبِهِ يَرُدُّ عَلَى جَمْعٍ نَازَعُوا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْت شُبَهَهُمْ مَعَ رَدِّهَا أَبْلَغَ رَدٍّ وَأُوَضِّحُهُ فِي شَرْح الْعُبَابِ وَعَلَّلُوهُ أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِإِبْطَالِهِ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا هِيَ الِاسْتِئْذَانُ مَثَلًا الْمُقْتَضِي صَرْفُ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ إلَى مَعْنَى مَا يُخَاطَبُ بِهِ النَّاسُ فَأَشْبَهَ كَلَامَهُمْ الْمُبَايِنَ لِلْقُرْآنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَتَى بِآيَةٍ مُفْهِمَةٍ فَهِمَ مِنْهَا زَيْدٌ مُرَادَهُ بِلَا قَصْدٍ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُ مَعَ الْإِطْلَاق حُكْمَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَازَ لِلْجُنُبِ وَحَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ يَخْتَصُّ بِمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَخَارِجَهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: ١٣] إلَى آخِرِهِ وَ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: ٤٦] وَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢] دُون نَحْوِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ عَلَى الثَّانِي وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ بَعْد أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاق كَمَا بَيَّنْته مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْح الْعُبَابِ مَعَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي فَرْقِهِ بَيْن إطْلَاقِ الْجُنُبِ وَإِطْلَاق الْمُصَلِّي وَوَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَضُرُّ قَصْدُ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا حُكْمُهُمْ عَلَى جَمِيعِ لَفْظِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَهُوَ يُوَافِقُ الْأَوَّلَ السَّابِقَ وَأَمَّا إثْبَاتُهُمْ ذَلِكَ لِلْقُرْآنِ دُون نَحْو التَّسْبِيحِ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَالضَّعْفِ وَعَجِيبٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَيْف نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِمَعْنَى تَنَبَّهْ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِقَصْدِ الْإِعْلَام بِمَعْنَى رَكَعَ الْإِمَام فَاسْتَوَى الْقُرْآنُ وَغَيْره فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ فِي خَبَرِ مُسْلِم السَّابِقِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ النَّاسِ فَكَيْف جَعَلْتُمُوهُ مُشْتَرَكًا كَمَا مَرَّ قُلْت لَمْ نَجْعَلُهُ مُشْتَرَكًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا سَبَقَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْجُنُبُ أَوْ سَبَقَ لِلتَّفْهِيمِ لِغَرَضٍ آخَرَ جَرَى عُرْفًا التَّفْهِيمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ وَبِغَيْرِهِ
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّفْهِيمُ بِالْقُرْآنِ مَذْمُومًا شَرْعًا وَذَلِكَ مِنْ الْمُصَلِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute