للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَالِفُ أَشْبَهَ حِينَئِذٍ كَلَامَ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَارِضَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي ذَاتِهِ قُرْآنًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ فَضَّلُوا عَلَيْهِ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَالَّ مَخْصُوصَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَضِّلُوهَا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ لِغَرَضٍ آخِر فَالتَّفْضِيلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَكَمَا اتَّفَقُوا عَلَى التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إذْ التَّفْضِيلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُخْرِجهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَالْقَرِينَةِ الْمُقْتَضِيَةِ عُرْفًا صَرْفَهُ إلَيْهَا وَخُرُوجَهُ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِيَّةِ إلَى مَعْنَى مَا يُتَخَاطَبُ بِهِ فَأَعْطَيْنَاهُ حِينَئِذٍ حُكْمَ كَلَامِ النَّاسِ وَأَدَرْنَا عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْكَامَ السَّابِقَ تَقْرِيرُهَا فَإِنْ قُلْت مَرَّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي حَالَةِ قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَحْدَهُ أَوْ التَّفْهِيمِ وَحْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاق فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ قُلْت سَبَبُهُ أَنَّ الْقَصْدَ أَقْوَى فِي الصَّرْفِ مِنْ الْإِطْلَاق فَانْصَرَفَ بِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِقَرِينَةٍ بِخِلَافِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ أَمْرَانِ هُمَا رِعَايَةُ ذَاتِهِ أَوْ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لَهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا فَأَكْثَرُهُمْ رَاعُوهَا لِقُوَّتِهَا وَبَعْضهمْ رَاعَى الذَّاتَ لِأَصَالَتِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَصْدَ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ كَافٍ وَحْدَهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ تُعَضِّدُهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ صَرَفَتْهُ إلَيْهَا وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ بَقِيَ عَلَى قُرْآنِيَّتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِهَا

وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ صَرْفِهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى غَيْرِهَا لَا قَصْدَ نَفْسِ الْقِرَاءَةِ إلَّا إنْ عَرَضَتْ قَرِينَةٌ كَأَنْ عَرَضَ عُطَاسٌ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ عُطَاسِهِ فَقَرِينَةُ نَدْبِ قِرَاءَتِهَا عَقِبَ الْعُطَاسِ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ إلَّا إنْ قَصَدَهَا وَأَمَّا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُهَا كَمَا مَرَّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ فِي قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُمْ مَا كُتِبَ مِنْ الْقُرْآنِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَام الْقُرْآنِ مِنْ حُرْمَةِ مَسِّهِ عَلَى الْمُحْدِثِ وَتَجْوِيزهمْ الرَّسْمَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي أَفْخَاذِ الْحَيَوَانِ مَعَ تَمَرُّغِهَا بِهِ فِي النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ كِتَابَتِهِ التَّبَرُّكُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْسَلِخُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُبَالَ بِتَنَجُّسِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ لِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مَجَالٌ وَاسِعٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَهْلُ مِلِيبَار يُطَلِّقُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مَعَ إنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ بَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لِلْفِرَاقِ بَيْنه وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَهَلْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ بِهِ وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ تَرْجَمَةُ طَلَاقٍ بَلْ هِيَ أَشْهَرُ عِنْد عَوَامِّهِمْ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِشُيُوعِهَا وَكَوْنِهَا بِلُغَتِهِمْ فَهَلْ هِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحَةِ أَوْ الْكِنَايَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى مَقْصُودًا مِنْ الطَّلَاق إلَّا وُقُوعُ الْفِرَاقِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَمَعْرِفَتُهُمْ لِذَلِكَ كَافِيَةٌ فِي كَوْنِهِ صَرِيحًا فَيَقَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمَا اشْتَهَرَ عِنْدهمْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ طَلَاقٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى صَرَاحَتِهِ أَوْ لَفْظُ كِنَايَةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ كِنَايَةً وَإِنْ اشْتَهَرَ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ مَأْخَذ الصَّرَاحَةِ لَيْسَ هُوَ الِاشْتِهَارُ خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بَلْ مَأْخَذُهَا تَكَرُّرُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ مِمَّا ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ كِنَايَةٍ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَإِنْ اشْتَهَرَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ مِمَّا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةَ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَمَلًا بِاشْتِهَارِهِ فَإِنَّ لِلِاشْتِهَارِ تَأْثِيرًا فِي الْكِنَايَةِ دُون الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَجْنَبِيٍّ خَالَعْت امْرَأَتِي بِأَلْفٍ أَوْ بِثَوْبِك مَثَلًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ قَبِلْت الْخُلْعَ وَلَمْ يَقُلْ بِأَلْفٍ عَلَيْك هَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ؟

(فَأَجَابَ) أَمَّا فِي ثَوْبِك فَيَكْفِي قَبِلْت وَلَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ وَأَمَّا فِي الْأَلْفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَيْك أَوْ يَنْوِيَهُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ الْمُصْلِحَةَ لِدُنْيَاهَا لَا لِدِينِهَا مَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِسَفَهٍ بِأَنْ بَلَغَتْ غَيْرَ مُصْلِحَةٍ لِدِينِهَا أَوْ لِدُنْيَاهَا وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا عَلَى الْتِزَامِ مَالٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>