تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَنَقَلَ فِي خَادِمِهِ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْمَطْلَبِ امْتِنَاعَ إرْثِهِ دُونَ إرْثِهَا ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ بَلْ قِيَاسُ مَا مَرَّ مَا قُلْنَاهُ وَقِيَاسُ مُقَابَلَةِ الَّذِي انْتَصَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْحَابِ تَوَارُثُهُمَا. اهـ. وَإِنْ لَمْ يُمْضِ ذَلِكَ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ وَرِثَتْهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ مُحَقَّقَةُ الْبَقَاءِ إذْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُنَافِيهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَعَدَمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ أَوْ امْرَأَتَانِ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا أَوْ صِدْقُهُمَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَاتِهِ لَكِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ الْإِخْبَارُ شَيْئًا مِنْ التَّذَكُّرِ سَوَاءٌ تَوَهَّمَ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ إلَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ يَظُنُّهُ الْمُخْبِرُ مُقْتَضِيًا لِلْوُقُوعِ وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَلَفِّظِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ فَهَلْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ يُلْزِمُهُ بِفِرَاقِ نِسَائِهِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا شَكَّ إنْسَانٌ فِي زَوْجَةٍ تَزَوَّجَهَا هَلْ كَانَتْ دَخَلَتْ فِي عَقْدِهِ وَقْتَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ تَطْلِيقٍ أَمْ لَا تَطْلُقُ الْمَشْكُوكُ فِي دُخُولِهَا وَشُمُولِ التَّطْلِيقِ لَهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِرَاقٌ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ وَلَمْ يَجُزْ اسْتِنَادُ إخْبَارِهِ لِمَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَوْلُهُمْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ. اهـ.
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ عَصَرَ عِنَبًا ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ وَجَدَهُ خَلًّا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ وَبِهَذَا يَتَّجِهُ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلِي وَلَمْ يُجَوَّزْ. . . إلَخْ جَمَعْت بِهِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا عَدْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَظَنَّ صِدْقَهُمَا لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، هَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا أَوْقَعْنَا طَلَاقَ النَّاسِي بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مَعَ ظَنِّ الصِّدْقِ لَمْ يُجَوَّزْ أَنَّهُ فَعَلَهُ نَاسِيًا وَحِينَئِذٍ أُلْحِقَ مَا نَقَلَاهُ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ وَحِينَئِذٍ أُلْحِقَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ ظَنَّ صِدْقَهُمْ.
وَبِهَذَا كُلِّهِ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَلَا طَلَاقَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ تَزَوُّجُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا وَالْوَرَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى إنْعَامِهِ وَأَشْكُرُهُ عَلَى إلْهَامِهِ وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ وَخِتَامِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ أَفْضَالِهِ فِي دَارِ نَعِيمِهِ وَإِكْرَامِهِ.
(وَبَعْدُ) فَهَذَا كِتَابٌ لَقَّبْته بِالِانْتِبَاهِ لِتَحْقِيقِ عَوِيصِ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ حَمَلَنِي عَلَيْهِ أَنِّي أَفْتَيْت فِي مَسْأَلَةٍ بِمَا هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتُوُهِّمَ خِلَافُ الْمُرَادِ حَتَّى وَقَعَ بَعْضُ الِانْتِقَادِ ثُمَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فِي أَطْرَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالدَّلَائِلِ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا مُشْكِلَاتٍ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهَا وَمُعْضِلَاتٍ لَمْ يُوَجِّهُوا نَظَرَهُمْ إلَيْهَا فَقَصَدْت إلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ وَإِشْكَالٍ وَجَوَابٍ لِيَنْجَلِيَ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَجْهُ الصَّوَابِ بِأَخْصَرِ عِبَارَةٍ وَأَوْجَزِ إشَارَةٍ فِي وَرَقَاتٍ يَسِيرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَتُهَا فِي نَفْسِهَا عَسِيرَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى تَحْرِيرِ ذَلِكَ وَيُسَهِّلُ الْوَعْرَ مِنْ تِلْكَ الْمَسَالِكِ فَإِنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. وَرَتَّبْته عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَبَاحِثَ وَتَتِمَّةٍ (الْمُقَدَّمَةُ) فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَعَلَى تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ وَعَلَى فِعْلِ، أَوْ تَرْكِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِيهِمَا يَنْقَسِمُ إلَى إكْرَاهٍ بِحَقٍّ وَإِلَى إكْرَاهٍ بِبَاطِلٍ فَالْإِكْرَاهُ بِبَاطِلٍ إذَا صَحِبَهُ عَدَمُ قَصْدٍ مِنْ الْمُكْرَهِ وَاخْتِيَارٌ بِأَنْ أَتَى بِعَيْنِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَدْنَى تَغْيِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ فِيهِ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ فَقَطْ. أَخْبَرَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ إفْضَالُهُ وَجَلَّ نَوَالُهُ بِأَنَّهُ رَفَعَ حُكْمَهُ عَنْ أُمَّتِهِ رُخْصَةً لَهُمْ وَخُصُوصِيَّةً مِنْ خَصَائِصِهِمْ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَجَعَلَ فِعْلَ الْمُكْرَهِ الَّذِي