للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّجُوعُ لِلْأَعْلَمِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَعَارَضَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ يُونُسَ وَهُمَا أَجَلُّ وَأَدْرَى وَأَحْفَظُ وَأَثْبَتُ وَأَعْلَمُ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ مَا قَالَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ وَنَاهِيكَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَجَلِّ أَوْ أَجْمَلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْقَوْلَ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قُلْت: مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ قَدْ يَنْقُلُ شَيْئًا عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ مُعْظَمِهِمْ، أَوْ الْأَكْثَرِينَ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَصْحَابَ، أَوْ مُعْظَمَهُمْ، أَوْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ طَرِيقَتِهِ كَالْخُرَاسَانِيِّ ن، أَوْ الْعِرَاقِيِّينَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ نَسَبَهُ إلَى جُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَافْهَمْ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَصْحَابِ مَا عَدَا جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا عَدَا جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ، نَعَمْ وَافَقَ جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنْ سَائِرِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ الَّتِي ذَكَرْتهَا عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْوُقُوعِ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَكْثَرُ النَّقَلَةِ عَلَى الْوُقُوعِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا طَرِيقَةَ يَنْفَرِدُونَ بِالنَّقْلِ عَنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى سَائِرِ الطُّرُقِ يَنْقِلُونَ عَنْ أَرْبَابِهَا بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ طَرِيقَةً مُنْفَرِدَةً لَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى مَا سِوَاهَا وَلَا يَنْقُلُونَ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إلَّا نَادِرًا فَكَانَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ يُونُسَ أَقْرَبَ إلَى إرَادَةِ الْأَكْثَرِينَ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَمَنْ ذَكَرْته مَعَهُ

وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُمَا كَذَلِكَ كَمَا بَانَ وَظَهَرَ لَك وَجْهُهُ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَإِنْ قُلْت: الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا قَدْ نَقَلُوا عَنْ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةَ الدَّوْرِ فَلِمَ لَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُمْ سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمَنْسُوبَ لِلْأَكْثَرِينَ فِي الطَّرِيقَيْنِ صِحَّةُ الدَّوْرِ قُلْت: لَمَّا عَارَضَهُمْ فِي النَّقْلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ قَدْرًا وَعِلْمًا وَحِفْظًا وَخِبْرَةً بِالْمَذْهَبِ وَدِرَايَةً بِطُرُقِهِ كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَجَلِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَحَقَّ وَأَوْلَى. وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ الْمَنْسُوبَ إلَى الْأَكْثَرِينَ تَجِدْهُ كَالْمُتَبَرِّي مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَصَحَّحَ الشَّيْخَانِ بُطْلَانَهُ كَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا وَاجِبًا مُتَعَيَّنًا إذْ الْمَدَارُ عَلَيْهِمَا فِي التَّرْجِيحِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا فِي التَّصْحِيحِ أَمْرٌ لَازِمٌ وَقَوْلٌ جَازِمٌ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفَا فِيهَا الْأَكْثَرِينَ بِاتِّفَاقِ النَّقَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا قَالَاهُ وَرَجَّحَاهُ بَلْ يَقَعُ لَهُمَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُمَا يَنْقُلَانِ حُكْمًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَيُصَرِّحَانِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ يُخَالِفَانِهِ وَيُرَجِّحَانِ سِوَاهُ وَيَكُونُ الْحَقُّ مَا رَجَّحَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُمَا نَقَلَا حُكْمًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ مُقَابِلَهُ ثُمَّ قَالَا: وَالْحَقُّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَوَافَقَهُمَا عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا أَحْسَبُ، إذْ مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ فِي ذَلِكَ غَايَةُ الْإِشْكَالِ لَا يُفْهَمُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ أَرَدْت تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَعَلَيْك بِهِ مِنْ مَظِنَّتِهِ ثَمَّ وَبَيَّنْت أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُونَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ إلَّا الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ الْقَاصِرُ عَنْ رُتْبَةِ التَّرْجِيحِ وَالتَّصْحِيحِ، وَأَمَّا مَنْ وَصَلَ لِتِلْكَ الْمَرْتَبَةِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ وَبَيَّنْت ثَمَّ أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعُبَابِ فِي مُخَالَفَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْتَرِضُونَ عَلَيْهِمَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ

وَقَدْ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا إلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَرَجَّحَ الشَّيْخَانِ بُطْلَانَهُ كَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا حَتْمًا لَازِمًا فَكَيْفَ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا رَجَّحَاهُ كَمَا قَدَّمْته

<<  <  ج: ص:  >  >>