للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَزْوَاجِهِنَّ كَذِبٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي جَاءَهُمْ فِيهِ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ ثُمَّ حَنِثَ يَقَعُ عَلَيْهِ مَا أَوْقَعَهُ فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُونَ مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِنَفْسِ الْإِلْقَاءِ وَيَعْزِلُونَ مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ حِنْثٌ مِنْهُمْ؟ وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ اسْتِظْهَارًا. . . إلَخْ بَاطِلٌ لِأَمْرَيْنِ

أَمَّا أَوَّلًا فَمَنْ ذَا الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فِيهَا وَأَنَّى لَهُ مَعَ جَهْلِهِ بِالتَّجَاسُرِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَفِي مَتْنِ الْأَنْوَارِ كَالْعَزِيزِ: أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِدَلَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ اسْتِظْهَارًا عَلَى مَزِيدِ جَهْلٍ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ، وَلَا يَدْرِي مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ أُصُولِهِ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمَ بِالْهَذَيَانِ لَكِنْ لَا يُتَعَجَّبُ إلَّا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ إلْمَامٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُلُومِ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ بِهَا جُمْلَةً كَافِيَةً كَهَذَا الزَّهْرَانِيِّ فَلَا يُتَعَجَّبُ مِنْ صُدُورِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبَيَانُ مَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِوُقُوعِهَا عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِهَا، وَإِنَّمَا أُلْهِمَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ دَلَّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا أُلْهِمَ حُكْمَهَا بِأَنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مَا تَبَلَّجَ لَهُ صَدْرُهُ إذْ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِلْهَامِ كَانَ خَطَأً مِنْ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ وَجَهْلًا وَسَفَاهَةً؛ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ نَفْسَهُ، وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْإِلْهَامَاتِ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْمَلُ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ هِيَ لَا تُبْنَى عَلَى الْخَوَاطِرِ وَالْإِلْهَامَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ حَتَّى شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ فِي أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا أَسْنَدْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ إلَى هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُتَفَقِّهٍ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ لَمْ يَقْرَأْ، مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ بَابَ الطَّهَارَةِ فَضْلًا عَمَّا بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَنَاقُضٌ آخَرُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ يَكْتُبُ مَا لَا يَفْهَمُهُ، وَلَا يَتَصَوَّرُهُ إذْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ تَنَاقُضًا ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَعَلِّمٍ إلَّا مَنْ أَفْرَطَ جَهْلُهُ وَقَلَّ عَقْلُهُ، وَهُمَا قَوْلُهُ: وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ

وَقَوْلُهُ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ أَرَادَ بِوُقُوعِهَا عَلَى خَاطِرِهِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَهَا مِنْ دَلِيلٍ كَانَ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ: وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِهِ خَطَأً إذْ لَا يُقَالُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يَسْتَنْبِطُهَا الْمُجْتَهِدُ مِنْ الْأَدِلَّةِ إنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْإِلْهَامَاتِ، وَقَوْلُهُ اسْتِظْهَارًا خَطَأٌ مِنْهُ أَيْضًا إذْ الِاسْتِظْهَارُ طَلَبُ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَانْجِلَائِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْفُقَهَاءُ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الِاحْتِيَاطِ. وَمَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمْتُهُ مَبْسُوطًا وَمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ، وَإِنَّمَا الِاحْتِيَاطُ فِي بُطْلَانِهِ إذْ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي تَصْحِيحِهِ احْتِيَاطٌ لَمْ يُبَالِغْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَمِّهِ وَتَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ كَمَا قَدَّمْت لَك ذَلِكَ عَنْهُمْ مَبْسُوطًا ثُمَّ جَزْمُهُ بِنِسْبَتِهَا لِابْنِ سُرَيْجٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ لِمَا مَرَّ لَك أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ خَطَّأَ مَنْ نَسَبَهَا إلَيْهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ جَوَابَهُ اخْتَلَفَ فِيهَا فَقَالَ مَرَّةً بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَهُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَنْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَمَرَّةً قَالَ بِبُطْلَانِهِ مُوَافَقَةً لِجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَلِعُلَمَاءِ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ صَحَّحَ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ فَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَكْثَرُ فَهُوَ - وَإِنْ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَنْ تَبِعْهُ كَالْفَتَى فِي مُخْتَصَرِهَا وَغَيْرِهِ - مَرْدُودٌ بَلْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَكْثَرُونَ حَتَّى مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ وَجَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ هَؤُلَاءِ مَعَ كَلَامِهِ وَعِبَارَتِهِ كَمَا مَرَّ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا تَعْلَمْ بِهِ بُطْلَانَ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِانْسِدَادِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ نَقَلَ الْقَوْلَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ عَنْ أَكْثَرِ النَّقَلَةِ

وَنَاهِيكَ بِابْنِ يُونُسَ هَذَا فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ بَلَغَ مَرْتَبَةَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَلَهُ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا لَيْسَ لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِذَا تَعَارَضَ نَاقِلَانِ ثِقَتَانِ فِي شَيْءٍ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>