وَإِنَّمَا حَمَلَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَلَى اتِّبَاعِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ إمْعَانِهِمْ فِي تَفْتِيشِ كُتُبِ النَّقَلَةِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ فَتَّشُوا كَمَا فَتَّشْنَا لَرَأَوْا مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ فَإِنْ قُلْت: أَتْبَاعُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَقَالَتِهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ إذْ هُوَ شَيْخُ الطَّرِيقَتَيْنِ قُلْت: أَتْبَاعُ الرَّجُلِ لَا يُعَدُّونَ مَعَهُ فَإِنَّهُمْ تَابِعُونَ وَمُقَلِّدُونَ لَهُ فِيمَا قَالَهُ مَعَهُ كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي أَوَّلِ الْخَادِمِ فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّا إنْ قَابَلْنَا الرِّجَالَ بِالرِّجَالِ كَانَ الرِّجَالُ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرَ، هَذَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ - إلَّا مَنْ شَذَّ - عَلَى بُطْلَانِهِ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ إلَى مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَانْضَمَّ لِذَلِكَ اعْتِمَادُ الشَّيْخَيْنِ. الْمُعَوَّلُ فِي التَّرْجِيحِ وَالتَّصْحِيحِ إنَّمَا هُوَ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا إلَّا مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ أَيْضًا اعْتِمَادُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمُحَقِّقِيهِمْ لَهُ أَيْضًا كَمَا سَتَعْلَمُهُ
فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اعْتِمَادِ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ مِنْ شُبْهَةٍ اللَّهُمَّ إلَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَحُبُّ الرِّشَا الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْعَوَامّ، فَإِنَّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَعْتَمِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَدَهُ لَفَاتَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ وَمَا عَلَيْهِ أَنَّهَا سُحْتٌ وَنَارٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ عَنْ كِفَايَةِ الْقَاضِي النَّهَارِيِّ.
وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ. . . إلَخْ مِمَّا يَتَعَقَّبُ النَّهَارِيُّ فِيهِ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَدْ مَرَّ لَك بُطْلَانُهُ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ، الْجُمْهُورُ لَيْسُوا عَلَى صِحَّتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّهَارِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْفَعُ الْإِلْقَاءُ فِيهَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ قَدْ صَحَّ فَلَمْ يَمْلِكْ حَلَّهُ وَلَقَدْ أَطَالَ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَيَانِ الرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ فَانْظُرْهُ مِنْهُ إنْ شِئْت وَقَوْلُهُ: هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ مَنْظُورٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِفْصَاحِ حَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ قَالَ تَصَفَّحْت كِتَابَ الطَّلَاقِ مِنْ الْإِفْصَاحِ فَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مُضَافًا إلَى تَصْنِيفِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَلِكَ التَّصْنِيفِ قُلْت: ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا أَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ - وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ فِيهِ نَوْعُ تَبَرٍّ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ - وَقَوْلَ الْمُهِمَّاتِ فِي نَقْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْثُورِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
فَإِنَّ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ الْمَنْثُورِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ نَفْسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّا يُوَضِّحُ الرَّدَّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَنَاهِيكَ بِهِ وَبِكِتَابِهِ هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْكَرَ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ: قَدْ أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً ظَاهِرًا وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ تَقَدَّمَ مَا يُبْطِلُ هَذَا وَيُفْسِدُهُ وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ تَقْلِيدَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ هُنَا فُسُوقٌ. وَقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ يَوَدُّ لَوْ مُحِيَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَوْلِ غَيْرِهِمَا إنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَتْ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَنْبَغِي بَلْ لَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَلَا الْحُكْمُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وُقُوعَ الْمُنَجَّزِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَرْهُ بَلْ رَجَّحَهُ كَالرَّافِعِيِّ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اخْتَارَ وَرَجَّحَ لَكِنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُعَبِّرُ بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، وَقَوْلُهُ: تَعْلِيلًا لِصِحَّةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ التَّضَادَّ حَاصِلٌ بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِفَسَادِ هَذَا الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ أَفْسَدُوهُ بِأُمُورٍ طَوِيلَةٍ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهَا، وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْخَادِمِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ بَيَانِ أَنَّ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute