للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعِلَّةَ غَلَطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ بُطْلَانُ هَذَا الدَّوْرِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَجَعَ فِيهِ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ.

وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ وَجَبَ إلْغَاؤُهُ، وَلَفْظُ الدَّوْرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ فَيَجِبُ إلْغَاؤُهُ فَهَاتَانِ مُقَدِّمَتَانِ إذَا سُلِّمَتَا وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ بُطْلَانُ الدَّوْرِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَوَضَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ لَا يَقَعُ الشِّرَاءُ عَنْ زَيْدٍ وَهَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي

فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ قَوْلُهُ لِزَيْدٍ فَيَخْتَصُّ الْإِلْغَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ وَيَبْقَى قَوْلُهُ اشْتَرَيْت صَحِيحًا وَقِيلَ لَا بَلْ يُلْغَى جَمِيعُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُؤَاخَذُ بِبَعْضِ كَلَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ إذْ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ شَرْحٌ لِأَوَّلِهِ فَقَدْ اتَّفَقَ الطَّرِيقَانِ عَلَى إلْغَاءِ الْمُحَالِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يُلْغَى مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ قِيلَ تَطْلُقُ إلْغَاءً لِلشَّرْطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ إذْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِلْمُحَالِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِصِفَةٍ مُتَعَذَّرَةٍ فَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُحَالَ بَاطِلٌ، فَقَدْ حَصَلَ الْبُرْهَانُ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانُ الْمُقْدِمَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّوْرَ اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا مَوْصُوفَةً بِقَبْلِيَّةٍ رَابِعَةٍ مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ مُحَالًا فَإِمَّا أَنْ يُلْغَى أَصْلُ كَلَامِهِ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يُلْغَى الْقَدْرُ الْمُحَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ، وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ قَائِلُونَ كَمَا مَرَّ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّوْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ قَطْعًا وَأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ الدَّوْرَ اللَّفْظِيَّ وَيَمْنَعُ حَسْمَ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِحَالَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ إذْ هُوَ جَزَاءٌ وَلَهُ شَرْطٌ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الطَّلَاقِ مَعْقُولٌ إذْ لَا مَانِعَ لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِذَا أُوقِعَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِقَبْلِيَّةِ الطَّلَاقِ مَوْجُودًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ وَهُوَ مَعْنَى الدَّوْرِ فَالْجَوَابُ أَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الشَّرْطَ مُفْرَدًا، أَوْ أَخَذَ الطَّلَاقَ مُفْرَدًا عَنْ الشَّرْطِ يَسْتَحِيلُ وَلَكِنْ إذَا أَخَذَ الْمَجْمُوعَ اسْتَحَالَ، وَالتَّعْلِيقُ اشْتَمَلَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لِلْمُحَالِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِبْطَالُ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ طَلَاقٌ وَلَكِنْ عَلَّقَ إيقَاعَهُ بِزَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِقَبْلِيَّةِ طَلَاقٍ آخَرَ إذْ لَوْ وَقَعَ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِهَذَا الْوَصْفِ غَيْرُ مَا عَلَّقَهُ وَوَصَفَهُ فَإِنْ وَقَعَ مَوْصُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ كَانَ مُحَالًا فَقَدْ قَصَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ إيقَاعَ مَا هُوَ مُحَالٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ وَأَوْقَعَهُ فَوَجَبَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُنْحَلُّ بِالْإِيقَاعِ وَهُوَ لَفْظُ الْقَبْلِ.

اهـ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْبَيَانِ. وَالظَّاهِرُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِرُجُوعِ الْغَزَالِيِّ عَمَّا كَانَ مُعْتَمِدَهُ مِنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ فَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ بِالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ حَكَى التَّاجُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَعَلَيْهِ مَاتَ وَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَمِنْ الْمُعَلَّقِ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا كَانَ صَنَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نُصْرَةِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَهُمَا تَصْنِيفَانِ سَمَّى أَحَدَهُمَا قِطْفَ النَّوْرِ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ وَسَمَّى الثَّانِيَ الْغَوْرَ فِي الدَّوْرِ. اهـ. فَوَافَقَ مَا وَقَعَ لَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَقَدْ سَاقَهُ بِرُمَّتِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ فَمَنْ أَرَادَ الْإِحَاطَةَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْفَوَائِدِ فَعَلَيْهِ بِهِ فِي مَظِنَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا: إنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا مُتَنَاقِضٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي صِفَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ حَتَّى يَظْهَرَ فَسَادُهَا كَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، أَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ شَرْطٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ جَزَاءٌ، وَالْجَزَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قُدِّمَ عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلًا فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي أَكْرَمْته قَبْلَ أَنْ يَجِيئَنِي، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشْرٌ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَذَانِ بَاطِلَانِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>