وَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ خَطَأٌ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ فِي الزَّمَانِ قَبْلَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك أَمْسِ يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك لَا خِلَافَ أَنَّهُ شَرْطٌ
وَقَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَالْجَزَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ هُنَا الطَّلَاقُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ فَلَوْ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ الْجَزَاءَ احْتَجْنَا أَنْ نُبْطِلَ مَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ وُقُوعُهُ لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ، فَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ وُجُودِ صِفَتِهِ وَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَدَّ، وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ، قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَقْبَلُ الرَّدَّ وَإِلَّا بَطَلَ عِنْدَكُمْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عَنْ النَّهَارِيِّ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْخُلْعِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ أَحْكَامٍ ثَابِتَةٍ بَعْضُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبَعْضُهَا بِنَصِّ السُّنَّةِ وَبَعْضُهَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَمَتَى قَالَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: مَتَى اسْتَقَرَّ صَدَاقُكِ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَمَضَتْ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ خَالَفْتُمْ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَقِرُّ طَلُقَتْ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَتُشُطِّرَ الصَّدَاقُ وَإِذَا تُشُطِّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِذَا لَمْ تَطْلُقْ بَقِيَ يَطَؤُهَا مُدَّةً وَلَا يَسْتَقِرُّ صَدَاقُهَا وَمِنْهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالتَّمْكِينِ فَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ إذَا ثَبَتَ لَك النَّفَقَةُ عَلَيَّ وَطَالَبْتِنِي بِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ، ثُمَّ مَكَّنَتْهُ فَوَطِئَهَا إنْ قَالُوا: لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فَقَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّهَا وَلَا تُطَالِبُ بِهَا فَمُحَالٌ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا بِلَا تَأْجِيلٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَالْمَنْعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ قَالُوا تَسْتَحِقُّهَا وَتُطَالِبُ بِهَا فَإِذَا طَالَبَتْهُ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ فَلَا تَثْبُتُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهَا لَمْ تَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَلَزِمَ بَقَاؤُهَا مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ مُدَّةً مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ وَمِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَوْ قَالَ لِإِحْدَاهَا مَتَى ثَبَتَ حَقُّ الْقَسْمِ فَطَالَبْتِنِي بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ
ثُمَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُخْرَى فَإِنْ قَالُوا: إنَّ تِلْكَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ فَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّ وَتُطَالِبُهُ فَإِذَا طَالَبَتْ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَإِذَا طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْقَسْمَ وَلَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا مُدَّةً يَبِيتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرٍ مِنْهَا وَسَاقَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً أَلْزَمَهُمْ مُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا مِنْ جِهَتِهِمْ
وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ طُولٌ ثُمَّ أَوْرَدَ لَهُمْ أَيْضًا مَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ كَانَ سَاقِطًا مِنْ أَصْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي دَوْرِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَلَكِنْ إنَّمَا يُؤَدِّي قَوْلُهُ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ فَيَقْتَضِي وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ قَبْلَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ بَلْ الَّذِي نَقُولُهُ: إنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَنْعَقِدُ مِنْ أَصْلِهَا فَيَقَعُ الْمُنَجَّزِ وَلَا يُؤَدِّي ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَسْئِلَةً
وَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ سَبَبَهَا وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ وَالْمُنَجَّزَ مِلْكًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ اجْتَمَعَا هَهُنَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ لِلْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا كَمَا لَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا وَكَمَا إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ ثُمَّ رَدَّ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ وَهُوَ انْعِقَادُ هَذِهِ الصِّيغَة وَأَمَّا عِنْدَنَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا إلَّا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَهَذِهِ نُبَذٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute