للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِمَّا ذَكَرَهُ وَأَطَالَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ - وَلَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ: هَذِهِ جُمْلَةٌ كَافِيَةٌ لِمَنْ تَحَقَّقَ وَتَأَمَّلَ فِيهَا حَقِّيَّةَ التَّأَمُّلِ وَقَاطِعَةٌ لِلْعُذْرِ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَنْ أَنْصَفَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَوْلُهُ وَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الزَّرْكَشِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ فِي قَوَاعِدِهِ وَذَكَرَ فِيهَا كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَلَامَ غَيْرِهِ هَذَا لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا فَذَكَرَ حَشْوًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ إلَّا إيهَامَ السَّامِعِينَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

وَقَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ الْفَتَى عَلَى النَّوَوِيِّ. . . إلَخْ يُقَالُ لَهُ الْفَتَى تَابِعٌ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَدْ مَرَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَتَى دُونَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ بِذَلِكَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُصُورِ وَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ هُوَ وَشَيْخُهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إلَّا عَلَى كَلَامِ جَمْعٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَلَّدَاهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ وَالتَّنَاقُضَاتِ وَالتَّحْقِيقِ الظَّاهِرِ وَالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ لِكُلِّ مُكَابِرٍ كَمَا بَيَّنْت لَك جَمِيعَ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا بَيَّنْت هَذِهِ الْمَقَالَاتِ لِتَعْرِفَ الْأَحْكَامَ وَالْمُخَالَفَاتِ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَسْت أَهْلًا لِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِك فِي هَذَا الْجَوَابِ تَدُلُّ عَلَى جَهْلِك الْمُفْرِطِ وَغَبَاوَتِك الظَّاهِرَةِ وَإِنَّك حَقِيقٌ بِأَنْ تُؤَدَّبَ عَلَى تَصَدِّيك لِمَا لَسْت أَهْلًا لَهُ وَلَيْتَكَ تَأَسَّيْت بِمَا ذَكَرْته عَنْ صَاحِبِ الْمِفْتَاح مِنْ عَدَمِ تَعْلِيمِ الْعَوَامّ وَعَدَمِ الْحُضُورِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ أَحَدًا إذَا أَدْخَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَمَرْتهمْ بِالرَّدِّ إلَى غَيْرِك لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبَ لَك الدُّخُولَ مَعَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ وَأَمْرَهُمْ بِرَدِّ نِسَائِهِمْ بَعْدَ حِنْثِهِمْ فِيهِنَّ حُبُّ الْأَمْوَالِ السُّحْتِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَالشُّهْرَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَوْلُهُ: إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ وَعُلَمَاءَهُمْ صَحَّحُوهَا وَأَفْتَوْا بِهَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مُنْقَسِمُونَ إلَى قِسْمَيْنِ: فَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِهِ فَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ الْجَلِيلُ قَمَرُ تِهَامَةَ وَقُطْبُهَا إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا مُخْتَصَرًا قَالَ فِيهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا حَاصِلُهُ: الْمُفْتُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِهِ تَقْلِيدُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَلَوْ طُولِبَ هَؤُلَاءِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالدَّوْرِ طَلَاقُهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا ذَلِكَ بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ كَلَامَ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا ضَعْفُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ كَثِيرٌ وَجَوَابُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُقَالَ: قَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ

وَمِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الشَّامِلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ قَدْ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً كَبِيرًا. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْكِتَابِ الْجَلِيلِ التَّهْذِيبِ قَالَ: الصَّحِيحُ وُقُوعُهُ. وَكَذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي قَطَعَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَهُ وَهَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَاتُ الْجَلِيلَةُ: كِتَابُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْخِلَافِ لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَكِتَابُ الْكَامِلِ فِي الْمَذْهَبِ بَحْرٌ غَزِيرٌ، وَلَهُ كِتَابُ الْكَافِي فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ الْفَتْوَى لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ قَالَ: وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ. فَهَذَا جَوَابُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُتُبِ بِالْكُتُبِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهَمَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ فِي فُتْيَاهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَزِمَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَإِذَا وَقَعَتْ لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا بِوَاحِدَةٍ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعًا فَهَذَا التَّعْلِيقُ مُحَالٌ فَلَا يَصِحُّ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّقَ بِالطَّلْقَةِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فَإِذَا عَلَّقَ بِهَا ثَلَاثًا قُلْنَا: إمَّا أَنْ يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ كُلُّهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنَجَّزَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْيَسُ إذَا تَمَّ هَذَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ إلَى بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَهَبَ لِذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً ظَاهِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>