للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَالشَّرْطُ هَهُنَا هُوَ الْوَاحِدَةُ وَالْمَشْرُوطُ الثَّلَاثُ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الشَّرْطِ. اهـ

حَاصِلُ كَلَامِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفَائِسَ نَبَّهْتُ عَلَى جَمِيعِهَا مَعَ الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ فِيمَا قَدَّمْتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاسْتَمَرَّ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَدُهُ أَحْمَدُ فَقَالَ مَاتَ وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَنَامًا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا الْمَنَامُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ النَّائِمُ لَا يَضْبِطُ وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ طَلِّقْ زَوْجَتَك، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ لَا لِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهَا حَقٌّ إذْ الشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الْفَقِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ الْوَزِيرِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ طَلَاقِ التَّنَافِي أَيْ الدَّوْرِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ وَأَخْتَارُهُ نَصِيحَةً مِنِّي لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَبْطُلُ الدَّوْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ نَصُّ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ الْفَقِيهَانِ الْأَجَلَّانِ سُلَيْمَانُ وَمُحَمَّدُ الْهَمْدَانِيَّانِ قَالَا: أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَ: رَأَيْت سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ جُلُوسًا مُسْتَقْبِلِينَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ السَّلَامَ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ قَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَلَاقُ التَّنَافِي صَحِيحٌ أَمْ بَاطِلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ: بَاطِلٌ بَاطِلٌ مَرَّتَيْنِ وَسَكَتَ فِي الثَّالِثَةِ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْمَنَامِ ثُمَّ قَالَ الْوَزِيرِيُّ: وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ فِي الْخِلَافِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ مُعْرِضًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاك مُعْرِضًا عَنِّي قَالَ: لِأَنَّك تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ، فَتَلَقَّاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِالْقَبُولِ وَعَمِلَ بِهِ وَذَهَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ قَالَ الْوَزِيرِيُّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا وَكَأَنَّمَا رَآهُ فِي الْيَقَظَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ

وَالنَّصُّ لَا يُعَارَضُ بِالْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأُصُولِ كَيْفَ وَقَدْ شَرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَسَنَّ وَأَمَرَ بِهِ وَكَفَى بِهِ دَلِيلًا قَاطِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى بُطْلَانِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ. اهـ كَلَامُ الْوَزِيرِيِّ وَقَدْ أَشَرْت لَك إلَى مَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ الْمَنَامِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِد الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَقْوِيَةٍ وَاسْتِئْنَاسٍ بِهِ لِلْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى خَوْفٍ رَجَعَ عَنْ الْعَمَلِ بِالدَّوْرِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْحِكَايَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَاضِحًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ إسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِي وَنَاهِيكَ بِهِ جَلَالَةً وَعِلْمًا إذْ لَمْ يُخْرِجْ الْيَمَنُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقِيهًا مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَعَالِمُ زُبَيْدٍ وَأَعْمَالِهَا فَإِنَّهُ مِمَّنْ اعْتَمَدَ بُطْلَانَ الدَّوْرِ فِي شَرْحِهِ الْكَوْكَبَ الْوَقَّادَ وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ فِي جَمْعِهَا فَمِنْهَا أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِلْقَاءِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي نَوَاحِي الْحِجَازِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَهِمَتْ مِنْهُ عَدَمَ الرَّغْبَةِ قَالَتْ لَهُ: أَقِرَّ أَنَّهُ لَا إلْقَاءَ لَك فَيُقِرُّ ثُمَّ يُشْهِدُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا طَلَاقًا مُنَجَّزًا بَائِنًا ثُمَّ إذَا بَدَا لَهُ رَغْبَةٌ فِيهَا قَالَ: أَنَا كَاذِبٌ فِي إقْرَارِي وَجَاءَ لِمَنْ عَقْدُ الدَّوْرِ صَحِيحٌ عِنْدَهُ مِنْ فَقِيهٍ، أَوْ حَاكِمٍ فَيَحْكُمُ لَهُ بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِ طَلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>