الْبَحْثُ فِي حَيِّزِ الطَّرْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَهَكَذَا كُلُّ بَحْثٍ خَالَفَ الْمَنْقُولَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَإِنْ جَلَّ قَائِلُهُ وَظَهَرَ دَلِيلُهُ هَذَا مَعَ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَلَى بَحْثِهِ هَذَا يُرَدُّ بِأَنَّهُ نَفْسَهُ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الطَّلَاقِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ جَهْلِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ كَذَلِكَ شُرُوطَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ لِجَهْلِهِمْ، أَوْ لِجَهْلِ الْمُتَعَلِّمِينَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِكَبِيرِ فِطْنَةٍ وَمَعْرِفَةٍ فَبِالْأَوْلَى أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ لِجَهْلِ أَكْثَرِ الْمُتَفَقِّهَةِ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ بِمَعْنَى الدَّوْرِ هُنَا وَبِبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْتهَا أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَهْلِهِمْ بِذَلِكَ تَبَايُنُ اخْتِلَافِ أَفْهَامِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ الدَّوْرِ وَبُطْلَانِهِ وَتَبَايُنُ آرَاءِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ
فَإِنَّهُ يَقُولُ تَارَةً بِصِحَّتِهِ ثُمَّ تَارَةً بِفَسَادِهِ كَمَا قَدَّمْت لَك عَنْ الْغَزَالِيِّ وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ إمَامُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فَإِذَا كَانَتْ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ مُتَبَايِنَةً فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُهُ أَفْهَامُ الْعَوَامّ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالدَّوْرِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنْ يَصْدُرَ التَّعْلِيقُ مِمَّنْ يَعْرِفُ الدَّوْرَ كَمَا مَرَّ لَك أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطٍ أُخْرَى لَا يُحِيطُ بِهَا أَكْثَرُ الْمُتَفَقِّهَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ فَكَانَتْ الْمَفَاسِدُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الدَّوْرِ أَعْظَمَ وَأَفْحَشَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَمَا شَنَّعَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَلَى الْمُعَلَّمِينَ لَهُ فَكَذَلِكَ نُشَنِّعُ نَحْنُ عَلَى مِنْ يُعَلِّمُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ بِعَيْنِ مَا قَالَهُ فَانْدَفَعَ بِنَفْسِ كَلَامِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِحَثِّهِ نَدْبَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ الْآنَ قَلِيلٌ. . . إلَخْ فَيُرَدُّ بِأَنَّا إذَا غَلَّظْنَا عَلَى الْعَوَامّ وَبَيَّنَّا لَهُمْ أَنَّ الدَّوْرَ فَاسِدٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَقْلِيدُهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَكَابِرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يُخَالِطُونَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ فَهَؤُلَاءِ يَنْتَهُونَ وَيَنْزَجِرُونَ فَزَجَرَهُمْ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ الدَّوْرَ، وَقِسْمٌ لَا يُخَالِطُونَ أَحَدًا مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَهَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُ جَمِيعِهِمْ بَلْ إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُعَلِّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّ زَوْجَتَهُ بَانَتْ عَنْ عِصْمَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّعْلِيمِ حِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا قَالُوهُ وَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَوْلُهُ: رُدُّوا النِّسَاءَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا بِكَثِيرٍ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِك الْقَبِيحَةِ وَخِصَالِك الْمَذْمُومَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مُبَالَغَتِك فِي الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَأَنْوَاعِ الْكُفْرِ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ، وَمَنْ تَجَرَّأَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْلَى أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، لَكِنْ مَا لَمْ يُتَدَارَكْ بِعَفْوٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْفِيقٍ وَحُسْنِ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ وَإِلَّا فَلَكَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ لِاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ مَزِيدُ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْفَضِيحَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، وَلَا يَنْفَعُ أَعْوَانٌ وَلَا أَمْوَالٌ. وَقَوْلُهُ: وَقَلِّدُوا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ يُقَالُ عَلَيْهِ: قَاتَلَك اللَّهُ وَقَبَّحَك مَا أَكْذَبَك وَأَفْسَقَك فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ وَاضِحًا مُبِينًا
وَإِنَّمَا الْقَائِلُونَ بِصِحَّتِهِ فِرْقَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَفْرَادٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِعْشَارَ عُشْرِ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ سَاغَ لَك أَنْ تَجْعَلَهُمْ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ تَصِفُهُمْ بِصِفَةٍ تَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ لَيْسُوا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ كَلَامُك وَإِنْ كُنْت لَا تَفْهَمُ وَلَا تَدْرِي مَا تَقُولُ أَنَّ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَصْفٌ لِلْمُضَافِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ إذْ لَوْ كَانَ وَصْفًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ لَمْ يُنَاسِبْ مَقْصُودَك وَهُوَ أَنَّك تُبَالِغُ لِلْعَوَامِّ فِي مَدْحِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَجَعَلْت هَذَا الْوَصْفَ مَدْحًا لَهُمْ حَامِلًا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ وَمَا دَرَيْت أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ لَيْسُوا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنْ كُنْت مُعْتَقِدًا ذَلِكَ فَيَكْفِيك هَذَا دَلِيلًا عَلَى فِسْقِك وَمَقْتِك وَعَظِيمِ وَقِيعَتِك فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ فَلْيُحَارِبَنَّكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلْيُهْلِكَنَّكَ، وَمَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُفْلِحُ أَبَدًا وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ: إنَّمَا أَكْثَرْت فِيهِ لِيَعْلَمُوا أُصُولَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا انْطَوَيْت عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالْفِسْقِ وَالْمُجَازَفَةِ لِسَوْقِ الْحِكَايَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ فِي أَنْوَاعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute