للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ تَنْزِلْ إلَّا عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ بِهَا الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي حَضَرَنَا مِنْ مَبْحَثِ مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي حَضَرَكَ عَرَّفَ النَّاسَ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِك فِي الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَكَذَا الْكُفْرَانِ إنْ اعْتَقَدْتَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حِكَايَتُك فَلَيْتُك سَكَتّ اتِّقَاءً لِلسُّتْرَةِ عَلَى نَفْسِك وَكَفًّا لَهَا عَمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ عَنْ شَيْخِهِ فَرَدَدْتُ الْجَوَابَ إلَى مُهِمَّاتِ الْمُهِمَّاتِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ وَمَزِيدِ تَسَاهُلِهِ فَإِنَّ مَنْ يَرُدُّ مَنْ يُفْتِي بِخِلَافِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَيْفَ يَقْنَعُ بِمِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَمَا دَرَى أَنَّ لِأَصْلِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ الْمُهِمَّاتُ تَعَقُّبَاتٌ وَمُلِمَّاتٌ وَمُعَلِّمَاتٌ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَلِلْبَدْرِ ابْنِ شُهْبَةَ اعْتَرَضُوا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ أَكْثَرَ مَا فِي الْمُهِمَّاتِ وَرَدُّوهُ وَبَيَّنُوا مَا فِيهِ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ

وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ

وَقَوْلُهُ: لَكِنْ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّبِعُونَ وَمُقْتَدُونَ يُقَالُ عَلَيْهِ: كَذَبْت لَسْت مُتَّبِعًا وَلَا مُقْتَدِيًا فَإِنَّك لَوْ كُنْت كَذَلِكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَمْ تَنْسُبْ إلَيْهِمْ مَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُك السَّابِقُ وَنَبَّهْت عَلَيْهِ فِي مَحَالِّهِ فَأَنْتَ مُبْتَدِعٌ لَا مُتَّبِعٌ وَمُعْتَدٍ لَا مُقْتَدٍ، وَقَوْلُهُ: الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ وَالضَّرُورِيَّاتُ لَهَا أَحْكَامٌ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ جَهْلِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ جُزْئِيَّاتِ قَاعِدَةِ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهَا وَإِنَّمَا غَايَةُ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ يَحْفَظُ كَلِمَاتٍ لَا يَدْرِي مَا مَعْنَاهَا وَلَا مَا أُرِيدَ بِهَا فَيَنْطَلِقُ بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَالتَّقْلِيدُ وَاجِبٌ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ هَذَا كَلَامٌ أَيْضًا مِنْ تَغَالِيهِ فِي الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَاجِبٌ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَدْ قَدَّمْت لَك عَنْ أَكَابِرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّقْلِيدَ فِيهِ فُسُوقٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقَاضٍ مُقَلِّدٍ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَأَنَّهُ مَتَى حَكَمَ بِذَلِكَ فَسَقَ وَكَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا فَمُنِعَ ذَلِكَ كَيْفَ سَاغَ لِهَذَا الْمُجَازِفِ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ التَّقْلِيدَ هَذَا وَاجِبٌ وَلَيْتَهُ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ كَذِبَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى دِينِهِ فَرُبَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: ٦٠] فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْأَنْوَارِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُسْتَحَبَّ التَّعْلِيمُ وَالْعَمَلُ بِهِ الْآنَ لِوُجُوهٍ حَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ الْآنَ قَلِيلٌ وَمَنْ يُحْلِلْ زَوْجَتَهُ إذَا وَقَعَ طَلَاقُهُ مَعْدُومٌ وَإِنَّ النَّاسَ مُنْهَمِكُونَ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَيَتْرُكُونَ الْحَلِفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

وَمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ لَا يَسْمَحُ بِالتَّحْلِيلِ فَيَذْهَبُ إلَى مَنْ لَا مُسْكَةَ لَهُ فِي الدِّينِ فَيُعَلِّمُهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ التَّحْلِيلِ كَادِّعَاءِ فِسْقِ الْوَلِيِّ، وَكَأَمْرِهِ بِتَقْلِيدِ الْقَوْلِ الشَّاذِّ الْمَدْفُوعِ بِصَرَائِحِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، إنَّ الْعَقْدَ كَافٍ فِي التَّحْلِيلِ وَإِنَّ الْغَافِلَ الْمُتَسَاهِلَ رُبَّمَا عَلَّمَ السُّوقَةَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَعْدَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ حِفْظًا لِنِكَاحِهِمْ وَحَذَرًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحِنْثِ مَعَ جَهْلِهِمْ، بَلْ وَجَهْلِ مُلَقِّنِهِمْ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَاهُ فَيُطَلِّقُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ظَنًّا أَنْ لَا يَقَعَ مَعَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ مَعَ نَفْيِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَبِهِ يُخَفَّفُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الزَّهْرَانِيِّ قُلْت: لَا حُجَّةَ لِهَذَا الزَّهْرَانِيِّ فِي كَلَامِ الْأَنْوَارِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ بَحَثَ اسْتِحْبَابَ التَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَجَرَّأَ عَلَيْهِ هَذَا الزَّهْرَانِيُّ وَيُفْتِي بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ظَهَرَ لَهُ مِنْ بَحْثِهِ لَكِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبِبُطْلَانِهِ فَهُمْ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ التَّعْلِيمِ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَظْهَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا مُخَالِفًا لِاتِّفَاقِهِمْ كَانَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>