قَبْضَتِهِ وَبَانَ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعُرْفَ هُنَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ رِضَا الزَّوْجِ بِخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَدَمِهِ يَرْجِعُ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْغَيْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَكَمْ مَنْ يَرْضَى بِالْخُرُوجِ وَلَوْ مَعَ الرِّيبَةِ وَكَمْ مَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الرِّيبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ نِكَاحِهِ تَعْتَادُهُ أَمْ لَا.
فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ الَّذِي رَضِيَ بِسُكْنَاهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِلْكُهُ أَمْ غَيْرُ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ اعْتَادَتْ الْخُرُوجَ أَمْ لَا نَعَمْ جَوَّزُوا لَهَا الْخُرُوجَ لِإِعْذَارٍ كَخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ انْهِدَامٍ، أَوْ فَسَقَةٍ وَكَخَرَابِ الْمَحَلَّةِ حَوْلَ بَيْتِهَا حَتَّى صَارَ مُنْفَرِدًا وَكَإِزْعَاجِ مَالِك الْمَنْزِلِ كَمَا مَرَّ وَكَالْخُرُوجِ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ مُؤْنَته وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ عَنْ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ كَأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ تَحْضُنُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَتْ الْأُمُّ تَسْلِيمَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَنْ يَجِيءَ الْوَلَدُ إلَيْهِ وَيَأْكُلُ عِنْدَهُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا.
؟ وَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبَيْنَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَمَا بَعْدَهُ حَيْثُ اخْتَارَ الْأُمَّ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إذَا أَمْكَنَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ الْمَجِيءُ إلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ إلَى بَيْتِ أُمِّهِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ بَلْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مَعِي وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا فِي حَقِّ الْأَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ فَإِنْ حَضَرَ الْوَلَدُ إلَيْهِ فَذَاكَ اهـ.
وَتُوقِفُهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّفَقَة لِلْقَرِيبِ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَإِنَّمَا هِيَ إمْتَاعٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ مَعُونَةٍ وَمُوَاسَاةٍ وَإِذَا كَانَتْ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُتَبَرِّعُ بِذَلِكَ الْإِمْتَاعِ وَالْمُوَاسَاةِ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ائْتِ إلَى عِنْدِي لِأُوَاسِيَك.
وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا سَهُلَ عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ إرْسَالُهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُ الْكِفَايَةُ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى هَذَا عِنْدَ نَحْوِ عَجْزِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ السُّهُولَةِ فَإِنَّهُ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي مَجِيئِهِ إلَى قَرِيبِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ قَرِيبُهُ الْحَمْلَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِكَوْنِهِ مُوَاسِيًا وَمُتَبَرِّعًا هَذَا تَوْجِيهُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ لِتَوَقُّفِ الْإِمَامِ فِي الْأَبِ وَجْهٌ وَجِيهُ إذْ اللَّائِقُ بِطَلَبِ مَزِيدِ احْتِرَامِهِ وَبِرِّهِ أَنْ لَا يُكَلَّفُ الْمَجِيءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً إلَى بَيْتِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَلْزَمُ الْأَبَ نَقُلْ كِفَايَتُهَا إلَى بَيْتِ أُمِّهَا الثَّابِتِ لَهَا حَضَانَتُهَا أَصَالَةً، أَوْ بِاخْتِيَارِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ تَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَيَزُورُهَا الْأَبُ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ بَلْ يُلَاحِظُهَا بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهَا قَالُوا وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ إثْبَاتَ إعْسَارِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ إنَّك ضَمِنْت لِي عَنْ زَوْجِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَالنِّكَاحِ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ فَالْقَاضِي إنْ وَجَدَ مَالًا فَرَضَ النَّفَقَةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَهَا الْفَسْخُ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَفِي دَعْوَى الدَّرَاهِمِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَدَّعِي نَفْسَ الطَّعَامِ اهـ. فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَمَد، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ظَاهِرِ ذَلِكَ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَجَهِلَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ أَيْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِ الْغَائِبِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُ الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَلَدِ الزَّوْجَةِ جَازَ الْفَسْخُ إذْ صُورَتُهُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ دَعْوَى الضَّمَانِ فِي