للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِبَارَة الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ عِنْده لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ إنْكَارِ مُنْكِرٍ فَيُثْبِتُ مُقْتَضَاهَا فَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفِقْهِ الْمَضْمُونَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا بِعَجْزِ الضَّامِنِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ظَاهِرَةً تُوقَفُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ دِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ حِيلَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ بِذَلِكَ وَيَدَّعِي الْبَرَاءَةَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حِينَئِذٍ وَبَيِّنَتُهُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ فَغَابَ عَنْهَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى طَاعَتِهِ وَتَعَذَّرَ إنْهَاءُ الْخَبَرِ إلَيْهِ لِفَقْدِ مُؤْنَةِ الْبَعْثِ هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ النَّاشِزَ إذَا غَابَ زَوْجُهَا لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ بِطَاعَتِهَا ثُمَّ يُرْسِلُ يُخْبِرُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ فَإِذَا رَجَعَ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ وَتَسَلَّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ وَإِنَّ عَلِمَ وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ وَلَا وَكِي لَهُ عَادَتْ إذَا مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ عَوْدِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْتُبُ إلَى حَاكِمِ الْبِلَادِ الَّتِي تَرِدُهَا الْقَوَافِلُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ لِيَطْلُبَ وَيُنَادِي بِاسْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، أَوْ طَلَاقِهِ اهـ.

وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحِلٍّ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْخَبَرِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَيْهِ إمَّا لِخَوْفِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَإِنْ شَاءَ اقْتَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَرْضِ، أَوْ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ لِيُوَفِّيَهَا إذَا حَضَرَ وَذَكَرَ الْغَزِّيُّ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ الطَّاعَةَ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَعْلَمُهُ الْقَاضِي فَقَصَّرَ فِي تَسَلُّمِهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ يَسَارُهُ، أَوْ تَوَسُّطُهُ اهـ.

وَأَمَّا فَسْخُ النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ أَقَلّ وَاجِبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَكْفِي فَقْدُ خَبَره وَلَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَا غَيْبَتُهُ مُعْسِرًا.

فَكُلُّ هَذِهِ وَنَحْوُهَا لَا يَجُوزُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِمَا ذَكَرَ وَلَا تَسْأَل مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْيَقِينِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْجَزْمِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ لَوْ صَرَّحَ بِمُسْتَنَدِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ رَضِيعٍ حَضَنَتْهُ حَاضِنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أُمٌّ مَثَلًا أَوْ غَيْرُهَا وَغَابَ وَالِدُهُ مَثَلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِيمَا يَلْزَمهُ شَرْعًا مِنْ أُجْرَتِي حَضَانَةٍ وَرِضَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ غِنَاهُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مَالًا مَعْلُومًا بِاجْتِهَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَأَذِنَ لِحَاضِنَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى مَالِ وَالِدِهِ فَإِذَا اقْتَرَضَتْ أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَبَيَّنَ فِيهَا فَقْرُ وَالِدِهِ، أَوْ مَوْتُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا مَا اقْتَرَضَتْ عَلَيْهِ وَيَفُوتُ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ مَجَّانًا، أَوْ تَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ فِي حَالِ صِغَرِهِ، أَوْ كِبْره أَوْ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَجْدَادِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا.

وَإِذَا اقْتَرَضَتْ الْحَاضِنَةُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَيْفَ صُورَةُ الِاقْتِرَاضِ تَقُولُ اقْتَرَضْتُ هَذَا الْمَالَ فِي ذِمَّتِي وَمَالِي لِأُنْفِقَهُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ، أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمَحْضُونِ وَمَالِهِ، أَوْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ فَهَذَا يُشْكِلُ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَى ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَكَيْفَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلْحَاضِنَةِ أَخْذُ الرَّضَاع نَفَقَةٌ كَنَفَقَةِ زَوْجَةِ مُوسِرٍ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطٍ مَثَلًا أَوْ مُعْسِرٍ وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسَمًّى غَيْرُ أُجْرَة الرَّضَاعِ وَإِذَا انْفَصَلَ الرَّضَاعُ هَلْ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً إذَا قُلْتُمْ بِهَا لِحَضَانَتِهَا وَتَعَهُّدِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ أَمْ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>