للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَلَا كِسْوَتُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ كَانَتْ نَاشِزَةً فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا مُدَّةَ إقَامَتِهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا سَلَّمَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَمَكَّنَتْهُ ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ عَدَمَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ هَلْ هُوَ كَدَعْوَى النُّشُوزِ فَهُوَ الْمُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا وَقَالُوا فِي بَابِ الْبَيِّنَاتِ لَوْ ادَّعَتْ التَّمْكِينَ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ التَّمْكِينِ أَمَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ الْأَوَّلِ فَلَا؟

(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ عَدَمُ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ النُّشُوزِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ بِشَخْصِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي دَوَامِ التَّمْكِينِ هِيَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَدَّقُ فِي عَدَم التَّمْكِينِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ السَّائِلِ وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَأَنْعَمَهُ فِي كَلَامِهِمْ لَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُول كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَحْثِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَنَّ الشَّخْص يُخَاصِمُ زَوْجَ بِنْتِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَيَحْبِسُهَا عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ عَاجِزٌ عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَإِسْكَانِهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَوْفًا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ مُتَضَرِّرَةٌ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِذَا زَنَتْ امْرَأَةٌ فَعَلِمَ زَوْجُهَا فَهَرَبَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا وَاضْطَرَّتْ لِلنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا وَكَذَا عَدَمُ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِالسُّلْطَانِ، أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ فَهُوَ أَمْرٌ نَادِرٌ وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ تُلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَلَا تُفْرَد بِحُكْمٍ يَخُصُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ، أَوْ الْكِسْوَةِ مَثَلًا لِإِعْسَارِهِ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ أَمْرٌ يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَوْ مَنَعْنَا الْفَسْخَ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَأَضْرَرْنَا بِحَالِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَقَعُ لِأَزْوَاجِهِنَّ الْإِعْسَارُ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لِحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ ضَرُورَةٍ يَغْلِبُ سَبَبُ وُقُوعِهَا وَلَمَّا نَظَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - إلَى ذَلِكَ الِاحْتِيَاطِ بَالَغَ فِيهِ فَمَنَعَ الْفَسْخَ فِي النِّكَاحِ حَتَّى بِالْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ أَبَوَانِ مُحْتَاجَانِ إلَّا اكْتَسَبَ لِإِنْفَاقِهِمَا فَاتَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الْمَرْجُوِّ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهِ ضَاعَا أَوْ صَارَا كَلًّا عَلَى النَّاسِ فَمَنْ يُقَدَّمُ؟

(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ قُدِّمَ الْكَسْبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَوْرِيٌّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وُجُوب الْكَسْبِ لَهُمَا وَإِنْ قَدَرَا عَلَى الْكَسْبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْكَسْبُ لَهُمَا هُنَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ الْفَوْرِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، أَوْ الْوَاجِبِ عَيْنًا فَوْرًا كَتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَيْنِيٌّ فَوْرِيٌّ وَقَدْ تَعَارَضَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْأَبَوَيْنِ رِعَايَةً لَحَقِّهِمَا الْمُتَأَكِّدِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ لَهَا قُدِّمَ الثَّانِي لِدَوَامِ نَفْعِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ لِدَوَامِ نَفْعِهِ وَأَيْضًا فَحَقُّ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ كَمَا قَالُوهُ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ مُضْطَرًّا وَالْأَقْدَمُ الْكَسْبُ لَهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ نَحْوُ إنْقَاذِ غَرِيقٍ وَإِخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لَوْ فَاتَ وَالصَّلَاة تُتَدَارَكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>