للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيَّ مُرَاجَعَتُهُ وَأَرَى مُرَاجَعَتَهُ جَبَلًا وَأَرَى لِذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَمَلَلًا وَأَنَّهُ يُذْهِبُ بِشَهْوَةِ الطَّعَامِ وَلَذَّتِهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَنِعْمَتَهُ وَمِنْ ضَرَرِهِ فِي الْبَدَنِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَكْلِهِ بَعْدَ الْبَوْلِ شَيْءٌ كَالْوَدْيِ وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ حِينٍ وَطَالَمَا كُنْت أَتَوَضَّأُ فَأُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَأُعِيدُ الْوُضُوءَ وَتَّارَةً أُحِسُّ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَقْطَعُهَا أَوْ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ أَتَحَقَّقُ خُرُوجَهُ فِيهَا فَأُعِيدُهَا وَسَأَلْتُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَأْكُلُهَا فَذَكَرُوا ذَلِكَ عَنْهَا وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ فِي الدِّينِ وَبَلِيَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْمُقْرِي عَنْ الْعَلَّامَةِ يُوسُفَ بْنِ يُونُسَ الْمُقْرِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ظَهَرَ الْقَاتُّ فِي زَمَنِ فُقَهَاءَ وَلَا يَجْسُرُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَوْ ظَهَرَ فِي زَمَنِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَحَرَّمُوهُ وَدَخَلَ عِرَاقِيٌّ الْيَمَنَ وَكَانَ يُسَمَّى الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ وَكَانَ يَجْهَرُ بِتَحْرِيمِ الْقَاتِ وَيُنْكِرُ عَلَى آكِلِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَهُ عَلَى مَا وُصِفَ لَهُ مِنْ أَحْوَالِ مُسْتَعْمِلِيهِ

ثُمَّ أَنَّهُ أَكَلَهُ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِاخْتِبَارِهِ قَالَ فَجَزَمْت بِتَحْرِيمِهِ لِضَرَرِهِ وَإِسْكَارِهِ وَكَانَ يَقُولُ مَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ بِسَبَبِهِ مَنِيٌّ ثُمَّ اجْتَمَعْتُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ نَسْمَعُ عَنْك أَنَّك تُحَرِّمُ الْقَاتَّ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ وَمَا الدَّلِيلُ فَقَالَ ضَرَرُهُ وَإِسْكَارُهُ فَضَرَرُهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إسْكَارُهُ فَهَلْ هُوَ مُطْرِبٌ فَقُلْت نَعَمْ فَقَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي إبَاحَتِهِمْ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ النَّبِيذِ: النَّبِيذُ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فَقُلْت لَهُ يَرْوُونَ عَنْك أَنَّك تَقُولُ مَا يَخْرُجُ عَنْهُ مَنْيٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّ الْمَنِيِّ فَقَالَ إنَّهُ يَخْرُجُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ وَكَانَ عَمِّي أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمُقْرِي وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالطِّبِّ وَغَيْرِهِ يُصَرِّحُ بِتَحْرِيمِهِ وَيَقُولُ إنَّهُ مُسْكِرٌ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَكْلِهِ فَجُنَّ هَذَا كُلُّهُ مُلَخَّصُ كَلَامِ الْحَرَازِيِّ وَهَذَا الرَّجُلُ الْعِرَاقِيُّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَلَ عَنْهُ حُرْمَةَ الْقَاتِ أَخْبَرَنِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَدَرَسَ بِهَا كَثِيرًا وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ وَزَادَ فِي مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.

وَيُوَافِقُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِحُرْمَةِ الْقَاتِ قَوْلَ الْفَقِيهِ الْعَلَّامَةِ حَمْزَةَ النَّاشِرِيِّ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَقْلًا وَإِفْتَاءً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَرْجَمَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَارِيخِ خَاتِمَةِ الْحُفَّاظِ وَالْمُحَدِّثِينَ الشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَدِّثُ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى مُؤَلِّفِهَا حَمْزَةَ الْمَذْكُورِ وَأَجَازَهُ بِهَا

وَلَا تَأْكُلَنَّ الْقَاتَّ رَطْبًا وَيَابِسًا ... فَذَاكَ مُضِرٌّ دَاؤُهُ فِيهِ أَعْضَلَا

فَقَدْ قَالَ أَعْلَامٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ... إنَّ هَذَا حَرَامٌ لِلتَّضَرُّرِ مَأْكَلًا

وَهَذَا الْفَقِيهُ إلَخْ وَمِنْهَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْمُفَتِّرَ مَا يَكُونُ مِنْهُ حَرَارَةٌ فِي الْجَسَدِ وَانْكِسَارٌ.

وَذَلِكَ مَعْلُومٌ وَمُشَاهَدٌ فِي الْقَاتِ وَمُسْتَعْمِلِيهِ كَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهَا تَوَهُّمُ نَشَاطٍ، أَوْ تَحَقُّقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا فَضَلَ مِنْ الِانْتِشَاءِ وَالسُّكْرِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّخْدِيرِ لِلْجَسَدِ وَكَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْإِكْثَارِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْمُسْكِرِ حَتَّى الْخَمْرِ خَدَّرَ يَخْرُجُ إلَى الرَّعْشَةِ وَالْفَالِجِ وَيُبْسِ الدِّمَاغِ وَدَوَامِ التَّغَيُّرِ لِلْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَضَارِّ لَكِنَّ الْقَاتَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الطَّبْعِ إلَّا مَا هُوَ مَضَرَّةٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ طَبْعَهُ الْيُبْسُ وَالْبَرْدُ فَلَا يَصْحَبُهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ غَيْرِهِ وَمِنْ الْمُسْكِرَاتِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِعُ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْمُسْكِرَاتِ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ فَلَا يَظْهَرُ الضَّرَرُ فِيهَا إلَّا مَعَ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا وَهَذَا مُحَصَّلٌ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْأَغْلَبِ مَا فِي الْأَفْيُونِ مِنْ مَسْخِ الْخِلْقَةِ وَتَغَيُّرِ الْحَالِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَهُوَ يَزِيدُ فِي الضَّرَرِ عَلَى الْأَفْيُونِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ يُعْلَمُ قَطُّ وَإِنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ وَفِيهِ كَثْرَةُ يُبْسِ الدِّمَاغِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الطَّبْعِ وَتَقْلِيلُ شَهْوَةِ الْغِذَاءِ وَالْبَاهِ وَيُبْسُ الْأَمْعَاءِ وَالْمَعِدَةِ وَبَرْدُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ الْخِصَالِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الْحَشِيشَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْقَاتِ مَعَ زِيَادَةِ حُصُولِ الضَّرَرِ فِيمَا بِهِ قِوَامُ الصِّحَّةِ وَصَلَاحُ الْجَسَدِ مِنْ إفْسَادِ شَهْوَةِ الْغِذَاءِ وَالْبَاهِ وَالنَّسْلِ وَزِيَادَةِ التَّهَالُكِ عَلَيْهِ الْمُوجِبِ لِإِتْلَافِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْمُوجِبِ لِلسَّرَفِ وَمِنْهَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا فَهُوَ لَا يُقَابِلُ ضَرَرَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ شَارَكَ كُلَّ الْمُسْكِرَاتِ فِي حَقِيقَةِ الْإِسْكَارِ وَسَبَبِهِ وَمِنْ التَّخْدِيرِ وَإِظْهَارِ الدَّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>