للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَسْكُنُونَ بِلَادَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ الْعُشُورَ وَالْغَرَامَاتِ إلَيْهِمْ هَلْ هُمْ حَرْبِيُّونَ، أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّبَا مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَالْخِيَانَةُ فِي مُبَايَعَتِهِمْ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَلْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَفِي جَوَازِ أَخْذِ أَحَدِهِمْ شَيْئًا مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ وَالْبَاقُونَ مَظْلُومُونَ.

قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قَسَمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهُنَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ ثَانِيهَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي نَصِيبَهُ مِنْهُ قَالَ وَهَذَا غُلُوٌّ لَكِنْ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَبِمَا قَرَّرَهُ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فَيْءٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَمَالِ ذِمِّيٍّ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ وَمَا فَضَلَ عَنْ وَارِثِهِ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ.

وَكَذَا خُمْسُ الْغَنِيمَةِ إذَا قَسَمَهَا الْإِمَامُ وَأَعْطَى الْغَانِمِينَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِمْ وَأَبْقَى الْخُمْسَ الْآخَرَ فَإِذَا وَصَلَ مِنْ ذَلِكَ الْخُمْسِ شَيْءٌ لِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْسِمْ لِلْغَانِمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخْذَهُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الْغَانِمِينَ شُرَكَاءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْخُمْسِ فَهُمْ شُرَكَاءُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَذْرَةً إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ شُرَكَائِهِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي نَحْوِ الْفَيْءِ مَا مَرَّ لِمَا قَرَّرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيمَةِ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا تَنْتَقِلُ حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ بِخِلَافِ الْغَانِمِينَ فَإِنَّ شِرْكَتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ إذْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ تَنْتَقِلُ حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا وَالْكُفَّارُ الْمَذْكُورُونَ حَرْبِيُّونَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا وَلَا خِيَانَتُهُمْ فِي كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا غَيْرِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَئِمَّةُ وَبَسَطُوا الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ الْكَفَرَةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ شِرَاءُ الْوَلَدُ مِنْ أَبِيهِ، أَوْ أُمِّهِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِمَنْ وَقَّعَ لَهُ عَقْدَ الْبَيْعِ وَهَذَا مُتَعَذَّرٌ هُنَا لِأَنَّ الْوَالِدَ مَتَى مَلَكَ ابْنَهُ بِأَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَقَصَدَ تَمَلُّكَهُ بِذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُ الْوَالِدِيَّةِ وَالْمِلْكِيَّةِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيلَاءٍ وَقَصَدَ تَمَلُّكَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَرْبِيِّينَ أَمَّا مَنْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُ الْوَالِدِ لِابْنِهِ بِقَهْرٍ؛ لِأَنَّ دَارَنَا دَارُ إنْصَافٍ بِخِلَافِ دَارِهِمْ وَلِمَنْ اشْتَرَى حَرْبِيًّا مِنْ أَبِيهِ، أَوْ أُمِّهِ وَأَنَّهُ إذَا صَارَ بِيَدِهِ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَيَقْصِدُ تَمَلُّكَهُ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ لَا بِعَقْدِ الشِّرَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ كَمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَلْزَمُ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ وَلَوْ بَلَغَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ هَلْ يَلْزَمُ التَّلَفُّظُ بِرَدِّهِ عَلَى الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ وَمَا فَائِدَةُ التَّلَفُّظِ مَعَ غَيْبَةِ الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الْغَائِبِ إمَّا بِرَسُولِهِ وَإِمَّا بِكِتَابِهِ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ إذَا رَضِيَ بِتَحَمُّلِهِ بِالْإِبْلَاغِ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَوْرًا ثُمَّ إنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَيْهِ بِالْإِرْسَالِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ بِالْكِتَابَةِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِهَا، أَوْ بِاللَّفْظِ وَيُنْدَبُ الرَّدُّ عَلَى الرَّسُولِ أَيْضًا وَتَقْدِيمُهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ جَعْلِهِمْ قَوْلَهُ وَعَلَيْك السَّلَامُ قَاطِعًا لِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ فَكَمَا اغْتَفَرُوهُ فِي عَدَمِ قَطْعِهِ لِفَوْرِيَّةِ الْقَبُولِ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ بِهِ هُنَا بَلْ نُدِبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ مَعَ غِيبَةِ الْمُسْلِمِ أَنَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ حَقَّيْنِ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَقًّا لِلْآدَمِيِّ فَلَوْ فُرِضَ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِغَيْبَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذْ لَا مُقْتَضَى لِإِسْقَاطِهِ وَأَيْضًا إذَا وَقَعَ الرَّدُّ فِي حَضْرَةِ الرَّسُولِ بِاللَّفْظِ بَلَّغَهُ لِمُرْسِلِهِ فَهَذِهِ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا وُجُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>