للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّدِّ بِالْكِتَابَةِ فَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا وَصَلَ لِلْمُسْلِمِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْمُصَافَحَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالرَّأْسِ وَالِانْحِنَاءِ بِالظَّهْرِ وَالْقِيَامِ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَافَحَةُ لِلْقَادِمِ سُنَّةٌ وَكَذَا تَقْبِيلُ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ عَالِمٍ وَصَالِحٍ وَشَرِيفِ نَسَبٍ وَالِانْحِنَاءُ بِالظَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَالْقِيَامُ لِمَنْ ذُكِرَ سُنَّةٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَوَرَاءَ ذَلِكَ تَذْنِيبَاتٌ لَا بَأْسَ بِالتَّعَرُّضِ لَهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُصَافَحَةُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ إلَّا لِقَادِمٍ لَمْ يَجْتَمِعْ بِمَنْ صَافَحَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ.

قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبُنَا فِي الْمُصَافَحَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِزُّ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا أَنَّ «رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْتَقِي مَعَ أَخِيهِ أَفَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ» وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا - «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ خَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَانَقَهُ» وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ اتَّفَقُوا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَهُمَا مَنْ هُمَا مِنْ حَدِيثٍ وَغَيْرِهِ. صِحَّتُهُ فَإِنَّ مَالِكًا لَمَّا أَنْكَرَ الْمُعَانَقَةَ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ فَأَجَابَهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجَعْفَرٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ فَانْقَطَعَ مَالِكٌ وَسَكَتَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ الْحَقُّ مَعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى شُيُوخُنَا طَرِيقَ الْمُصَافَحَةِ وَصِفَتَهَا وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ كَفَّهُ الْيُمْنَى فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَقْبِضُ كُلَّ أَصَابِعِهِ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - تَقْبِيلَ الْيَدِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَمَّا رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ «الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التِّسْعِ الْآيَاتِ فَأَجَابَهُمْ قَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ زِيَادَةٌ

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتِي أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلْت يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ» وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ فِي إتْيَانِ الشَّجَرَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «ائْذَنْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَك وَيَدَك وَرِجْلَك» وَفِيهِ «ائْذَنْ لِي فِي السُّجُودِ لَك فَقَالَ لَا يَسْجُدُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» وَفِي حَدِيثِ «وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمْ مَنْ سَعَى وَمِنْهُمْ مَنْ مَشَى وَمِنْهُمْ مَنْ هَرْوَلَ حَتَّى أَتَوْا إلَيْهِ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ فَقَبَّلُوهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَبَّلَ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَهُ وَيَقُولُ أَيْ عَمِّ ارْضَ عَنِّي قَالَ الْإِمَامُ الْبُرْزُلِيُّ الْمَالِكِيُّ أَرَدْت أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ أَيْ تَقْبِيلَ الْيَدَ مَعَ شَيْخِي فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ فَقُلْت لَهُ لَا تَرْوِ هَذَا الْكِتَابَ حِينَ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ فَقَالَ كَرِهَهُ مَالِكٍ فَقُلْت لَهُ مَالِكٌ أَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ فَتَرَكَنِي بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَشْيَاخِي لَا يُنْكِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَقَصْدِي بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ وَالتَّكْرِمَةُ لِأَشْيَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدِي مِنْ الْأَحَادِيثِ وَعَدَمِ إنْكَارِ ذَلِكَ عَنْ مُعْظَمِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَفَعَلْت ذَلِكَ مَعَ بَعْضِ الْكُبَرَاءِ فَقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ الْمِدْحَةِ فِي الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ مِنْ تَعَاظُمِ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَسُئِلَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْقِيَامِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ لِمُسْلِمٍ يُرْجَى خَيْرُهُ

أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ وَلَا يُفْعَلُ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِهَانَتِهِ وَإِظْهَارِ صَغَارِهِ فَإِنْ خِيفَ مِنْ شَرِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ جَازَ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ جَائِزٌ لِلْإِكْرَاهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَجُوزُ تَكْرِيمُهُ بِاللَّقَبِ الْحَسَنِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ حَاجَةٍ مَاسَّةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُهَانَ الْكَفَرَةُ وَالْفَسَقَةُ زَجْرًا عَنْ كُفْرِهِمْ وَفِسْقِهِمْ وَغَيْرَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَالِانْحِنَاءُ الْبَالِغُ حَدَّ الرُّكُوعِ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ كَالسُّجُودِ وَلَا بَأْسَ بِمَا نَقَصَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ لِمَنْ يُكْرَمُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا تَأَذَّى مُسْلِمٌ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهُ فَإِنَّ تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَكَذَلِكَ التَّلْقِيبُ بِمَا لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ الْأَلْقَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>