يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ بِرُبُعِ مَالِي فَلْيَدْخُلْ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى النَّخْلَةِ الْمَنْذُورَةِ قُلْت نَفْيُ عَدَمِ دُخُولِهَا مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الشَّجَرَةَ دَخَلَتْ ثَمَرَتُهَا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ هُنَا مُطْلَقًا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَلْحَظُ فِي عَدَمِ دُخُولِهَا شُمُولَ الِاسْمِ لَهَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِنَّمَا الْمَلْحَظُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُمْ النَّذْرَ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَإِلْغَائِهِ فِي غَيْرِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ»
فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَالِهِ الْمَنْذُورِ بِرُبُعِهِ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ دُخُولِهِ إلَّا النَّذْرُ وَالنَّذْرُ غَيْرُ صَالِحٍ لَأَنْ يَتَنَاوَلَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ عِنْدَ صِيغَتِهِ فَتَعَذَّرَ دُخُولُ مَا حَدَثَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ تَابِعًا أَوْ مُسْتَقِلًّا وَكَذَا الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يَشْمَلْهَا وَلَمْ تَتْبَعْ أَصْلَهَا فِي ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَوَتْ الصُّورَتَانِ أَعْنِي نَذْرَهُ بِرُبُعِ مَالِهِ وَنَذْرَهُ بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِرِ الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَبِهِ ظَهَرَتْ أَيْضًا أَوْلَوِيَّةُ عَدَمِ دُخُولِ الْمَالِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ التَّبَعِيَّةَ فِيهَا لِلشَّجَرَةِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمَالِ الْحَادِثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْجُودِ حَالَ النَّذْرِ بَلْ عِنْدَهُ التَّحْقِيقُ لَا تَبَعِيَّةَ هُنَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِثُلُثَيْ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ وَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَلْ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَ النَّذْرِ مَالِكًا لِمَا يَتَحَصَّلُ لَهُ مِنْ الْمُغَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي التَّتِمَّةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافَ هَذَا وَإِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ الْمُغَلِّ بِحُصُولِهِ أَيْ يَصِيرُ صَدَقَةً بِذَلِكَ فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذُكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ. اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَتَيْهِ هَاتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى فِيهَا نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِمُعَيَّنٍ قَبْلَ مِلْكِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْتِزَامُ التَّصَدُّقُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ مَا يُصَرِّحُ بِهَذَا الْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِ الْقُرْبِ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ يُضِيفَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا حَدَثَ وَأَيْضًا فَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ فَفِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِ النَّذْرُ بِالْمَجْهُولِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوِيمٌ فَقَدْ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْحِلِّيُّ بِأَنَّهُ يَصِحُّ النَّذْرُ بِحِمْلِ الْبَهِيمَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ بِثُلُثَيْ غَلَّةٍ سَتَحْصُلُ لَهُ صَحَّ نَذْرُهُ أَيْ بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ. اهـ. وَأَفْتَى الْقَاضِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمُسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ فَشُفِيَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَهُ نَذْرُ الْهَدِيَّةِ أَوْ الصَّدَقَةِ لَزِمَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَوْلُ الْأَنْوَارِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْبَاقِي أَوْ إعْتَاقُهُ وَفِي الْكِفَايَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيُّ بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا مَا حَدَثَ بِخِلَافِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ فِيهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَقْدًا جَائِزًا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِخِلَافِ النَّذْرِ وَقَالَ كَثِيرُونَ بِصِحَّتِهَا مِنْ السَّفِيهِ وَبِبُطْلَانِهِ مِنْهُ فَنَاسَبَ كَوْنَ الْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ فِيهِ حَالًّا اعْتِبَارُ وُجُودِ مَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِهِ حَالَ النَّذْرِ وَعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِانْقِضَاءِ الِالْتِزَامِ فِيهِ بِانْقِضَاءِ صِيغَةِ النَّذْرِ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَمَّا أُنِيطَ الِالْتِزَامُ فِيهَا بِالْمَوْتِ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَالَ الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا بَلْ عِنْدَ مَا نِيطَتْ بِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَمِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَلَا كَذَلِكَ النَّذْرُ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِيهِ فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُهُ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ قُلْت الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا لَا مُعَاوَضَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute