للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَسَاوَاهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَصَحَّ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَنَحْوُهَا حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تُسَاوِيهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْجَاهِ بَيْنَهُمَا فِيهِ تُسَاوِيهِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَنْبَنِي عَلَى رَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَا لَوْ عَلَّقَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَهُ أَيْضًا بِقُدُومِ غَائِبِهِ فَالْقَاضِي يَقُولُ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُ. الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي وَيُعْتِقُ عَنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الشِّفَاءُ وَإِنْ سَبَقَهُ الْقُدُومُ لِأَنَّهُ بَانَ بِالشِّفَاءِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ لِسَبْقِهِ.

وَالْعَبَّادِيُّ يَقُولُ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْهُمَا فَإِنْ وُجِدَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَثَمَرَةُ الْإِقْرَاعِ وَإِنْ اتَّحَدَ الزَّمَنُ فِي عِتْقِهِ حِينَئِذٍ بَيَانُ وُقُوعِهِ عَمَّنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ مِنْ أَحَدِ النَّذْرَيْنِ وَإِنْ كُنَّا لَا نُوجِبُ لِلْآخَرِ شَيْئًا كَمَا فِي السَّبْقِ هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ فَبِالشِّفَاءِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ مَعَهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ الثَّانِي وَعَتَقَ الْعَبْدَ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ لَكِنْ خَصَّهُ بِمَا إذَا قَالَ إنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَشَبَهُهُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا.

وَقَالَ هَذَا عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ إنْ كَانَ عَلَيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَإِلَّا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَعِتْقُهُ عَنْ الْيَمِينِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ الْقَتْلِ وَقَعَ عَنْ الْيَمِينِ وَإِلَّا فَعَنْ الْقَتْلِ وَقَالَ فِيمَا إذَا أَبْدَلَ فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ بِقَوْلِهِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقُهُ أَنَّهُمَا حَصَلَا وَلَا عِتْقَ لِلْعَبْدِ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا عَتَقَ وَلِظُهُورِ عَدَمِ الْفَرْقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيْنَ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ وَعَلَيَّ عِتْقٌ وَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ وَإِنْ اقْتَرَفَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ مِنْ إنْشَاءِ عِتْقٍ بِخِلَافِ نَحْوِ عَبْدِي حُرٌّ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَإِلَّا فَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ الْوَقْفُ فِي الْأُولَى لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا إلَخْ ظَاهِرٌ فِي التَّرْتِيبِ مَا بَعْدَ الْأَعْلَى عَدَمُ الشِّفَاءِ.

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّفَاءُ نَفَذَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفُذْ وَهَذَا عَيْنُ الْوَقْفِ الَّذِي سَبَقَ بِخِلَافٍ مَعَ إسْقَاطِ إلَّا فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ تَعْلِيقَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَلَهُ فَاتَّضَحَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَتَفْرِقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى شَيْخَهُ الْقَاضِيَ أَطْلَقَ إلْغَاءَ النَّذْرِ الثَّانِي وَالْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ أَطْلَقَ انْعِقَادَهُ وَعَلَى مَا فِي غَيْرِهَا أَطْلَقَ وَقْفَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْإِطْلَاقَيْنِ بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى حَالِهِ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِمَا مَرَّ هَذَا مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَسْأَلَتُنَا.

فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي تَكُونُ التَّصَرُّفَاتُ فِي النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بَاطِلَةً لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ هُنَا بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْقُدُومُ أَوْ لَا لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْذُورِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقُدُومُ أَوَّلًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بَاطِلٌ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْذُورِ الْعِتْقَ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّقِ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الثَّانِي لَزِمَ فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ إلْغَاءُ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ نَحْوِ الْبَيْعِ لَزِمَ إلْغَاءُ الْعِتْقِ مَثَلًا فَإِذَا لَمْ يَسْمَحْ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَيْضًا بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّرْتِيبُ عَلَيْهِ نَاجِزًا وَقَطْعِيًّا فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْمَحَ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانِ الْمَنْذُورِ لَا إلَى خِلْفٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي.

وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْعَبَّادِيِّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ النَّذْرِ مَا لَمْ يُلَاحِظْ الْفَرْقَ الْآتِي وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ الْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا مَرَّ يَكُونُ التَّصَرُّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>