للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمِصْرَ مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ عَلَى أَهْلِهَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ التَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ لَفْظَ الْأُضْحِيَّةِ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِهَا وَتَفْرِقَتُهُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا مُعَيَّنًا لِلْحَرَمِ كَدَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا لَزِمَهُ مَا سَمَّى وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِهَا أَوْ لِغَيْرِ الْحَرَمِ.

فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُنَاكَ أَوْ قُرْبَةٍ أُخْرَى أَوْ نَوَى صَرْفَهُ فِيهِ صُرِفَ لِمَسَاكِينِهِ الْمُقِيمِينَ أَوْ الْوَارِدِينَ وَقَدْ أَفْتَى الْوَلِيّ الْعِرَاقِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَأَطْلَقَ هَلْ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِمَا مِنْ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الْمُجَاوِرِينَ بِهَا وَمُلَخَّصُ جَوَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَبَقِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ فَعَلَيْهِ، الْوَقْفُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ بَاطِلٌ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ فِي هَذَا الْوَقْفِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ ذَلِكَ فِي عِمَارَةِ الْجُدَرَانِ وَالتَّجْصِيصِ الَّذِي فِيهِ إحْكَامٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ.

وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا إلَى عِمَارَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِلَى الْمَكَانِسِ وَنَحْوِهَا وَإِلَى الْفَرَّاشِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَلَا يَجُوزُ لِفُقَرَائِهِمَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَسْجِدَانِ بِأَنْ عُلِمَ مِنْ الْوَاقِفِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ وَأَرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الْأَعَمَّ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَى مَسَاكِينِهِمَا الْمُقِيمِينَ وَالْوَارِدِينَ ثُمَّ رَأَيْتُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَادِمِ فِي بَابِ النَّذْرِ فِي نَذْرِ التَّصَدُّقِ.

وَعِبَارَتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنْ عَيَّنَ قَوْمًا تَعَيَّنُوا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُصْرَفُ إلَى مَنْ تُصْرَفُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ سِوَى الْعَامِلِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ النَّذْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ أَوْ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَأَمَّا إنْ نَذَرَ لِلْحَرَمِ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى تَعْيِينِ مَسَاكِينِهِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثْتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلِلَّهِ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ أَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْهُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْحَمْلِ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَلْزِمُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ حَالًا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إذَا قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بَطَلَ وَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يُعَلَّقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيُسْتَحَقُّ أَوْ لَا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لَلْمِلْكِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى عِمَارَةِ دَارِ زَيْدٍ دُونَ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا إذَا صَحَّ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَالِهَا فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا هَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيهَا قِيَاسًا عَلَى عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ عَلَفَ الدَّابَّةِ يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ بِهِ لِأَنَّ ذَاتَهُ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ عِمَارَةِ الدَّارِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ إذَا قَصَدَهُ قُلْت الْفَرْقُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعَلَفَ قُرْبَةٌ ذَاتِيَّةٌ فَصَحَّ قَصْدَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

(وَسُئِلَ) عَنْ النَّذْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَصِحُّ وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَنْذُورِ إلَيْهِمْ إنْ كَانُوا أَحْيَاءً أَوْ لِأَيِّ فَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ كَانَ وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَيِّتًا فَهَلْ يُصْرَفُ لِمَنْ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ لِمَنْ يَنْهَجُ مَنْهَجَهُ أَوْ يَجْلِسُ فِي حَلْقَتِهِ أَوْ لِفَقِيرِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ وَمَا حُكْمُ النَّذْرِ بِتَجْصِيصِ قَبْرِهِ أَوْ حَائِطِهِ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلْوَلِيِّ الْحَيِّ صَحِيحٌ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا النَّذْرُ لِوَلِيٍّ مَيِّتٍ فَإِنْ قَصْدَ النَّاذِرُ الْمَيِّتَ بَطَلَ نَذْرُهُ وَإِنْ قَصْدَ قُرْبَةً أُخْرَى كَأَوْلَادِهِ وَخُلَفَائِهِ أَوْ إطْعَامَ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ الْوَلِيِّ صَحَّ النَّذْرُ وَوَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>