للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَحْكَامُهُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَاتُّبِعَ فِيهِ تَعْيِينُ الْوَاقِفِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مُؤَقَّتًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ مُؤَقَّتًا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْوَصِيَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيتُ الْمِلْكِ ثُمَّ عَوْدُهُ نَعَمْ إنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةِ عُمُرِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ النَّذْرُ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى تَفْصِيلٍ وَمَا مَصْرَفُهُ وَمَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَبْرِ جُرْجَانَ وَهَلْ الْوَقْفُ عَلَى الْحَرَمَيْنِ يُصْرَفُ لِسَاكِنِهِمَا أَوْ لِمَصَالِحِهِمَا وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ دَارٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَمَا الْفَرْقُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ عَيَّنَهُ وَجَبَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ نَذَرَ بَعْثَهُ إلَى الْقَبْرِ الْمَعْرُوفِ بِجُرْجَانَ فَإِنَّ مَا يَجْتَمِعُ بِهِ عَلَى مَا يُحْكَى يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ. اهـ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ لِلثَّانِيَةِ وَغَرَابَتِهَا. اهـ. وَمُرَادُهُ غَرَابَتُهَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَمِثْلُهُ النَّاذِرُ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا.

وَالْعَادَةُ هُنَا جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ فَصَارَ النَّذْرُ لِلْقَبْرِ نَذْرًا لِأُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْقَمُولِيُّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَذْرِ الشُّمُوعِ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَشَاهِدِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَتْ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لَا تُفْهَمُ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَدْفَعُ الْبَلَاءَ قَالَ وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ.

وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ الْفَرْقَ بَيْنَ نَذْرِ مَا يُوقَدُ وَنَذْرِ غَيْرِهِ فَمَا يُوقَدُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ التَّنْوِيرِ أَوْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ أَوْ التَّقَرُّبِ لِمَنْ فِيهَا بَطَلَ لِفَسَادِ هَذَا الْقَصْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّنْوِيرِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ النُّورِ فَإِنَّ هَذَا قَصْدٌ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُ وَأَمَّا نَذْرُ الدَّرَاهِمِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ جَمِيعُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَأَتَّى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا النَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ بَطَلَ لِأَنَّ الْقُرَبَ إنَّمَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى خَلْقِهِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَا عُرْفَ مُطَّرِدًا فِي زَمَنِ النَّاذِرِ أَوْ الْوَاقِفِ.

أَمَّا حَيْثُ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ الشُّمُوعَ وَالْأَمْوَالَ الَّتِي تَأْتِي لِهَذَا الْقَبْرِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ أَوْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالنَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَسَعُ الْأَذْرَعِيَّ وَلَا غَيْرَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ وَيُصْرَفُ لِمَنْ اُعْتِيدَ صَرْفُهُ لَهُ وَالْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا قَالَ فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي قَبْرِ جُرْجَانَ هَذَا كَلَامُ مَضَلَّةٍ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ لِلْقَبْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ النَّاذِرَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ فَتَكُونُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَمُفِيدَةٌ لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ السَّابِقِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الصَّرْفَ إلَى مَنْ اُعْتِيدَ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِمَادُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ أَوْ الْوَاقِفَ حَيْثُ عَلِمَ بِعَادَةٍ اطَّرَدَتْ فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ الَّذِي نَذَرَ لَهُ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ صَحَّ وَعَمِلَ فِي الْمَنْذُورِ.

وَالْمَوْقُوفِ بِمَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَحَيْثُ لَا عَادَةَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَصَالِحُ يَقْصِدُ الصَّرْفَ فِيهَا كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ الصَّرْفُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَصَالِحُ وَلَا عَادَةٌ أَوْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقً. اهـ. ذَا إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمَوْقُوفُ غَيْرَ شَمْعٍ أَوْ زَيْتٍ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ يَنْتَفِعُ بِإِيقَادِهِ هُنَاكَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ النَّذْرِ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَأَنَّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهَا مَا لَمْ يُقْصَدْ صَرْفُهُ إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ يَقْصِدُ صَرْفَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>