للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا وَلَّوْا عَدْلًا نَفَذَتْ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ وَصَارَ فِي حَقِّهِمْ كَالْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِهَادٌ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْمُحَكَّمِ وَالْمُحَكَّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إلَّا مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي.

وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهِ فَيَجُوزُ تَحْكِيمُ الْعَدْلِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لِلْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَلَوْ بِاسْتِفَادَتِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ جَمْعٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْبَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ قَوْلِهِ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْثِيمِ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِتَرْكِ نَصْبِ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِي بِلَادِهِمْ مُتَّجِهٌ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ بَلَدٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا تَجُوزُ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ لَا مُفْتِيَ فِيهِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى نَصْبِهِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ حَيْثُ قَالَ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا بِرِضَا الْبَاقِينَ وَبِهِ يُنْظَرُ فِي قَوْلِ الْأَصْبَحِيِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَقَوْلِ السَّمْهُودِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَكِنَّ مَا قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ فِي نَصْبِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ انْحَصَرَ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ فِي وَاحِدٍ مُطَاعٍ كَفَى وَكَذَا يُقَالُ بِهِ هُنَا وَلِلْمَاوَرْدِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ تِلْكَ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَلَوْ اشْتَرَطْنَا حُضُورَ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَتَعَسَّرَ أَوْ تَعَذَّرَ وَفَاتَ الْمَقْصُودُ وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ نَصْبُ إمَامٍ لِبُعْدِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى وَاحِدٍ فَاقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةَ ثَمَّ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَنْ تَيَسَّرَ مِنْهُمْ وَأَمَّا هُنَا فَهَذِهِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ عَلَى قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ فَاشْتُرِطَ رِضَا جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِهَا إذْ لَا عُسْرَ فِي ذَلِكَ وَلَا مَشَقَّةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْت) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ حِصَّةً مُشَاعَةً مِنْ صِهْرِيجٍ وَحُفْرَةٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْبَائِعُ الْحِصَّةَ الشَّائِعَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَكْتُبْ الْمُوَثِّقُ فِي حُجَّةِ التَّبَايُعِ وَالتَّآجُرِ ثُبُوتًا وَلَا حُكْمًا ثُمَّ اتَّصَلَ مَضْمُونُ الْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي طُرَّتِهَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحُكْمِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّبَايُعِ وَالتَّآجُرِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَمْ لَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ وَهَلْ إذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ إلَى حَاكِمٍ مُخَالِفٍ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَانِعًا لَهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ بِقَاعِدَةِ مَذْهَبِهِ أَمْ لَا.

(أَجَبْت) بِقَوْلِي الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالثَّابِتِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهُ حُكْمٌ وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ أَوْ سَبَبُهُ فَإِنْ ثَبَتَ سَبَبُهُ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا وَقَفَ هَذَا فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْحُكْمِ فِيهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحِّ لَيْسَ قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ فَلِلْمُخَالِفِ الْحُكْمُ فِيهِ بِقَضِيَّةِ مَذْهَبِهِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِذَلِكَ وَعَلَى اخْتِيَارِ السُّبْكِيّ إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا بَاعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَلِلْمُخَالِفِ نَقْضُهُ وَإِنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ مِنْ زَيْدٍ كَانَ حُكْمًا يَمْتَنِعُ نَقْضُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا وَلَّى شَخْصًا عَلَى بَلْدَةٍ وَفَوَّضَ أَمْرَهَا إلَيْهِ بِأَنْ يَعْزِلَ وَيُنَصِّبَ وَيَحْكُمَ بَلْ فَوَّضَ أُمُورَهَا إلَيْهِ وَحَكَمَ بِحُرِّيَّةِ إنْسَانٍ هَلْ يُنْقَضُ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ إلَّا بِسَبَبٍ مُقْتَضٍ لَهُ كَأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرِقِّ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الرِّقِّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ مَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَفِي الشَّهَادَاتِ الْأَشْهَرُ كَذَا وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَكَيْفَ يُعْمَلُ بِخِلَافِ الرَّاجِحِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ التَّرْجِيحَ تَعَارُضٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُرَجَّحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ حُجَّةً فَلَمَّا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَمِرَّ التَّرْجِيحُ الْمَذْهَبِيُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>