عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا قَالَ نَحْوَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَاوِي إذَا خَلَا بَلَدٌ عَنْ قَاضٍ وَخَلَا الْعَصْرُ عَنْ إمَامٍ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِرِضَا الْبَاقِينَ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُمْ نُصْرَتُهُ وَتَقْوِيَةُ يَدِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وَلَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ. اهـ. كَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ رَجُلٍ فِي بِلَادٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ هَلْ يَجُوزُ حُكْمُهُ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ وَكَانَ أَهْلًا لِلْحُكْمِ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إمَامٌ مُوَلًّى وَرَضِيَتْ الْعَامَّةُ بِأَحْكَامِ رَجُلٍ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُ حُكْمُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَلَا أَمِينِهِ هَلْ يَلْزَمُ أَحْكَامُ مَنْ رَضُوا بِهِ؟
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ عَالِمٌ أَوْ عَدْلٌ ثِقَةٌ مَرَضِيٌّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاكِمِ وَتَرَاضَى بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ وَنَصَّبُوهُ بِإِجْمَاعِ عَشَرَةِ عُدُولٍ وَكَانَ عَالِمًا بِالشَّرْعِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَفْتِي مَنْ يَثِقُ بِفَتْوَاهُ وَيَحْكُمُ بِهَا فَأَحْكَامُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ فِي ذَلِكَ نَافِذَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ مَسَائِلُ مِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي.
وَأَقَرَّهُ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُحَكَّمِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِيمَا حُكِّمَ فِيهِ كَالْقَاسِمِ قَالَ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَنْ حَكَّمْنَاهُ فِي بَابٍ اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِيهِ لَا غَيْرُ قَالَ فِي الْقَضَاءِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَشَاهَدْت ذَلِكَ بِخَطِّ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَفِي غَيْرِ هَذَا مَا يَدُلُّ لِكَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُصَرَّحًا بِذَلِكَ فَلْيُكْتَفَ بِهِ. اهـ. كَلَامُهُ.
وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحُكْمِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْحَقَّ أَوْ لَا لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» . اهـ.
مَا قَالَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ ابْنِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ وَالْإِمَامِ الْمَرَاغِيِّ الْمَدَنِيِّ فِي شُرُوحِهِمْ عَلَى الْمِنْهَاجِ إذَا تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الْمُتَغَلِّبَ عَلَى إقْلِيمٍ لَوْ نَصَّبَ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا وَتَعَذَّرَ رَفْعُهُ فَفِي نُفُوذِ أَحْكَامِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فَعَلَى الْمَنْعِ أَنَّ طَرِيقَ النَّاسِ التَّحَاكُمُ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَى السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ إمَامٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي كَذَا قَالَ فِي مِفْتَاحِ ابْنِ كَبْنٍ فَهَلْ مَا ذَكَرَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَفَى بِاعْتِمَادِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتِينَ لَهُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِقَاعِدَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ وَأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا خَلَتْ بَلَدٌ أَوْ قُطْرٌ عَنْ نُفُوذِ أَوَامِرِ السُّلْطَانِ فِيهَا لِبُعْدِهَا وَانْقِطَاعِ أَخْبَارِهَا عَنْهُ وَعَدَمِ انْقِيَادِ أَهْلِهَا لِأَوَامِرِهِ لَوْ بَلَغَتْهُمْ فَلَمْ يُرْسِلْ لَهُمْ قَاضِيًا وَجَبَ عَلَى كُبَرَاءِ أَهْلِهَا أَنْ يُوَلُّوا مَنْ يَقُومُ بِأَحْكَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا النَّاسَ فَوْضَى لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ